الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: «أنَّ رِجالًا مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ مِنهم عُثْمانُ بْنُ مَظْعُونٍ، حَرَّمُوا اللَّحْمَ والنِّساءَ عَلى أنْفُسِهِمْ، وأرادُوا جَبَّ أنْفُسِهِمْ لِيَتَفَرَّغُوا لِلْعِبادَةِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ: "لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ"، ونَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ،» رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. ورَوى أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: كانُوا عَشْرَةً: أبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعَلِيٌّ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وعُثْمانُ بْنُ مَظْعُونٍ، والمِقْدادُ بْنُ الأُسُودِ، وسالِمُ مَوْلى أبِي حُذَيْفَةَ، وسَلْمانُ الفارِسِيُّ، وأبُو ذَرٍّ، وعَمّارُ بْنُ ياسِرٍ، اجْتَمَعُوا في دارِ عُثْمانَ بْنِ مَظْعُونٍ، فَتَواثَقُوا عَلى ذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ: « "مَن رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي"» ونَزَلَتْ (p-٤١١)هَذِهِ الآيَةُ. قالَ السُّدِّيُّ: كانَ سَبَبَ عَزْمِهِمْ عَلى ذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَلَسَ يَوْمًا، فَلَمْ يَزِدْهم عَلى التَّخْوِيفِ، فَرَقَّ النّاسُ، وبَكَوْا، فَعَزَمَ هَؤُلاءِ عَلى ذَلِكَ، وحَلَفُوا عَلى ما عَزَمُوا عَلَيْهِ. وقالَ عِكْرِمَةُ: إنَّ عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ، وابْنَ مَسْعُودٍ، وعُثْمانَ بْنَ مَظْعُونٍ، والمِقْدادَ، وسالِمًا مَوْلى أبِي حُذَيْفَةَ في أصْحابِهِ، تَبَتَّلُوا، فَجَلَسُوا في البُيُوتِ، واعْتَزَلُوا النِّساءَ، ولَبِسُوا المُسُوحَ وحَرَّمُوا طَيِّباتِ الطَّعامِ واللِّباسِ، إلّا ما يَأْكُلُ ويَلْبَسُ أهْلُ السِّياحَةِ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، وهَمُّوا بِالِاخْتِصاءِ، وأجْمَعُوا لِقِيامِ اللَّيْلِ وصِيامِ النَّهارِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. والثّانِي: «أنَّ رَجُلًا أتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ: إنِّي إذا أكَلْتُ مِن هَذا اللَّحْمِ، أقْبَلْتُ عَلى النِّساءِ، وإنِّي حَرَّمْتُهُ عَلَيَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ،» رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: «أنَّ ضَيْفًا نَزَلَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَواحَةَ، ولَمْ يَكُنْ حاضِرًا، فَلَمّا جاءَ، قالَ لِزَوْجَتِهِ: هَلْ أكَلَ الضَّيْفُ؟ فَقالَتْ: انْتَظَرْتُكَ. فَقالَ: حَبَسْتِ ضَيْفِي مِن أجْلِي؟! طَعامُكِ عَلَيَّ حَرامٌ. فَقالَتْ: وهو عَلَيَّ حَرامٌ إنْ لَمْ تَأْكُلْهُ، فَقالَ الضَّيْفُ: وهو عَلَيَّ حَرامٌ إنْ لَمْ تَأْكُلُوهُ، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ ابْنُ رَواحَةَ قالَ: قَرِّبِي طَعامَكِ، كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ غَدا إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَأخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقالَ: أحْسَنْتَ، ونَزَلَتْ هَذِهِ (p-٤١٢)الآيَةُ.» وقَرَأ حَتّى بَلَغَ ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أيْمانِكُمْ﴾ رَواهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أبِيهِ. فَأمّا "الطَّيِّباتُ" فَهي اللَّذِيذاتُ الَّتِي تَشْتَهِيها النُّفُوسُ مِمّا أُبِيحَ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا تَعْتَدُوا﴾ خَمْسَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: لا تَجُبُّوا أنْفُسَكم، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وإبْراهِيمُ. والثّانِي: لا تَأْتُوا ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّالِثُ: لا تَسِيرُوا بِغَيْرِ سِيرَةِ المُسْلِمِينَ مِن تَرْكِ النِّساءِ، وإدامَةِ الصِّيامِ، والقِيامِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. والرّابِعُ: لا تُحَرِّمُوا الحَلالَ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والخامِسُ: لا تَغْصِبُوا الأمْوالَ المُحَرَّمَةَ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب