الباحث القرآني
(p-٤٠٨)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وما بَعْدَها مِمّا يَتَعَلَّقُ بِها في النَّجاشِيِّ وأصْحابِهِ. قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بَعَثَ النَّجاشِيُّ قَوْمًا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأسْلَمُوا، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ والَّتِي بَعْدَها، وسَنَذْكُرُ قِصَّتَهم فِيما بَعْدُ. قالَ الزَّجّاجُ: واللّامُ في "لَتَجِدَنَّ" لامُ القَسَمِ، والنُّونُ دَخَلَتْ تَفْصِلُ بَيْنَ الحالِ والِاسْتِقْبالِ، و "عَداوَةً" مَنصُوبٌ عَلى التَّمْيِيزِ، واليَهُودُ ظاهَرُوا المُشْرِكِينَ عَلى المُؤْمِنِينَ حَسَدًا لِلنَّبِيِّ ﷺ .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ أشْرَكُوا﴾ يَعْنِي: عَبَدَةَ الأوْثانِ. فَأمّا الَّذِينَ قالُوا: إنّا نَصارى، فَهَلْ هَذا عامٌّ في كُلِّ النَّصارى، أمْ خاصٌّ؟ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ خاصٌّ ثُمَّ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ أرادَ النَّجّاشِيَّ وأصْحابَهُ لَمّا أسْلَمُوا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ جُبَيْرٍ.
والثّانِي: أنَّهم قَوْمٌ مِنَ النَّصارى كانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِشَرِيعَةِ عِيسى، فَلَمّا جاءَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلامُ أسْلَمُوا، قالَهُ قَتادَةُ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ عامٌّ. قالَ الزَّجّاجُ: يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ النَّصارى، لِأنَّهم كانُوا أقَلَّ مُظاهَرَةً لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ اليَهُودِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ بِأنَّ مِنهم قِسِّيسِينَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: "القِسُّ" و "القِسِّيسُ": مِن رُؤَساءِ النَّصارى. وقالَ قُطْرُبٌ: القِسِّيسُ: العالِمُ بِلُغَةِ الرُّومِ، فَأمّا "الرُّهْبانُ": فَهُمُ العُبّادُ أرْبابُ الصَّوامِعِ. قالَ ابْنُ فارِسٍ: التَّرَهُّبُ: التَّعَبُّدُ، فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ مَدَحَهم بِأنَّ مِنهم قِسِّيسِينَ ورُهْبانًا، ولَيْسَ ذَلِكَ مِن أمْرِ شَرِيعَتِنا؟ فالجَوابُ: أنَّهُ مَدَحَهم بِالتَّمَسُّكِ بِدِينِ عِيسى حِينَ اسْتَعْمَلُوا في أمْرِ مُحَمَّدٍ ما أُخِذَ عَلَيْهِمْ في كِتابِهِمْ، (p-٤٠٩)وَقَدْ كانَتِ الرَّهْبانِيَّةُ مُسْتَحْسَنَةً في دِينِهِمْ. والمَعْنى: بِأنَّ فِيهِمْ عُلَماءَ بِما أوْصى بِهِ عِيسى مِن أمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ . قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: ورُبَّما ظَنَّ جاهِلٌ أنَّ في هَذِهِ الآيَةِ مَدْحَ النَّصارى، ولَيْسَ كَذَلِكَ، لِأنَّهُ إنَّما مَدَحَ مَن آمَنَ مِنهم، ويَدُلُّ عَلَيْهِ ما بَعْدَ ذَلِكَ، ولا شَكَّ أنَّ مَقالَةَ النَّصارى أقْبَحُ مِن مَقالَةِ اليَهُودِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنَّهم لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أيْ: لا يَتَكَبَّرُونَ عَنِ اتِّباعِ الحَقِّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَمّا حَضَرَ أصْحابُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ بَيْنَ يَدَيِ النَّجاشِيِّ، وقَرَؤُوا القُرْآنَ، سَمِعَ ذَلِكَ القِسِّيسُونَ والرُّهْبانُ، فانْحَدَرَتْ دُمُوعُهم مِمّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ، فَقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ بِأنَّ مِنهم قِسِّيسِينَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿مِعَ الشّاهِدِينَ﴾ . وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «بَعَثَ النَّجاشِيُّ مِن خِيارِ أصْحابِهِ ثَلاثِينَ رَجُلًا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَرَأ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ، فَبَكَوْا ورَقُّوا، وقالُوا: نَعْرِفُ واللَّهِ، وأسْلَمُوا، وذَهَبُوا إلى النَّجاشِيِّ فَأخْبَرُوهُ فَأسْلَمَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ ﴿وَإذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ﴾ الآيَةُ.» وقالَ السُّدِّيُّ: كانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا؛ سَبْعَةٌ مِنَ القِسِّيسِينَ، وخَمْسَةٌ مِنَ الرُّهْبانِ، فَلَمّا قَرَأ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ القُرْآنَ، بَكَوْا وآمَنُوا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِيهِمْ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ﴾ أيْ: مَعَ مَن يَشْهَدُ بِالحَقِّ. ولِلْمُفَسِّرِينَ في المُرادِ بِالشّاهِدِينَ هاهُنا أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: مُحَمَّدٌ وأُمَّتُهُ، رَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ، وعِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّانِي: أصْحابُ مُحَمَّدٍ ﷺ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: الَّذِينَ يَشْهَدُونَ بِالإيمانِ، قالَهُ الحَسَنُ. والرّابِعُ: الأنْبِياءُ والمُؤْمِنُونَ، قالَهُ الزَّجّاجُ.
{"ayahs_start":82,"ayahs":["۞ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَ ٰوَةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّا نَصَـٰرَىٰۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّیسِینَ وَرُهۡبَانࣰا وَأَنَّهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ","وَإِذَا سَمِعُوا۟ مَاۤ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰۤ أَعۡیُنَهُمۡ تَفِیضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُوا۟ مِنَ ٱلۡحَقِّۖ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ ءَامَنَّا فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِینَ"],"ayah":"وَإِذَا سَمِعُوا۟ مَاۤ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰۤ أَعۡیُنَهُمۡ تَفِیضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُوا۟ مِنَ ٱلۡحَقِّۖ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ ءَامَنَّا فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق