الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ قالَ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ في فُنْحاصَ اليَهُودِيِّ وأصْحابِهِ، قالُوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ. وقالَ مُقاتِلٌ: فَنُحاصُ وابْنُ صَلُوبا، وعازِرُ بْنُ أبِي عازِرٍ. وفي سَبَبِ قَوْلِهِمْ هَذا ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ اللَّهَ تَعالى كانَ قَدْ بَسَطَ لَهُمُ الرِّزْقَ، فَلَمّا عَصَوُا اللَّهَ تَعالى في أمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ وكَفَرُوا بِهِ كَفَّ عَنْهم بَعْضَ ما كانَ بَسَطَ لَهم، فَقالُوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ عِكْرِمَةُ. والثّانِي: أنَّهُ اللَّهُ تَعالى اسْتَقْرَضَ مِنهم كَما اسْتَقْرَضَ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ، فَقالُوا: إنَّ اللَّهَ بَخِيلٌ، ويَدَهُ مَغْلُولَةٌ فَهو يَسْتَقْرِضُنا، قالَهُ قَتادَةُ. والثّالِثُ: أنَّ النَّصارى لَمّا أعانُوا بُخْتُنَصَّرَ المَجُوسِيَّ عَلى تَخْرِيبِ بَيْتِ المَقْدِسِ، قالَتِ اليَهُودُ: لَوْ كانَ اللَّهُ صَحِيحًا، لَمَنَعَنا مِنهُ، فَيَدُهُ مَغْلُولَةٌ، ذَكَرَهُ قَتادَةُ أيْضًا. والمَغْلُولَةُ: المُمْسِكَةُ المُنْقَبِضَةُ. وعَنْ ماذا عَنَوْا أنَّها مُمْسِكَةٌ، فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: عَنِ العَطاءِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، والفَرّاءُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجُ. والثّانِي: مُمْسِكَةٌ عَنْ عَذابِنا، فَلا يُعَذِّبُنا إلّا تَحِلَّةَ القَسَمِ بِقَدْرِ عِبادَتِنا العِجْلَ، قالَهُ الحَسَنُ. وفي قَوْلِهِ: ﴿غُلَّتْ أيْدِيهِمْ﴾ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: غُلَّتْ في جَهَنَّمَ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّانِي: أمْسَكَتْ عَنِ الخَيْرِ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّالِثُ: جُعِلُوا بُخَلاءَ، فَهم أبْخَلُ قَوْمٍ، قالَهُ الزَّجّاجُ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وهَذا خَبَرٌ أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ الخَلْقَ أنَّ هَذا قَدْ نَزَلَ بِهِمْ، ومَوْضِعُهُ نَصْبٌ عَلى مَعْنى الحالِ. تَقْدِيرُهُ: قالَتِ اليَهُودُ هَذا في حالِ حُكْمِ اللَّهِ بِغَلِّ أيْدِيهِمْ، ولَعْنَتِهِ (p-٣٩٣)إيّاهم، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: فَغُلَّتْ أيْدِيهِمْ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ دُعاءً، مَعْناهُ: تَعْلِيمُ اللَّهِ لَنا كَيْفَ نَدْعُو عَلَيْهِمْ، كَقَوْلِهِ: ﴿تَبَّتْ يَدا أبِي لَهَبٍ﴾ [اللَّهَبِ: ١ ] وقَوْلِهِ: ﴿لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرامَ إنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [الفَتْحِ: ٢٧] . وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَلُعِنُوا بِما قالُوا﴾ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أُبْعِدُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ. والثّانِي: عُذِّبُوا في الدُّنْيا بِالجِزْيَةِ، وفي الآخِرَةِ بِالنّارِ. والثّالِثُ: مُسِخُوا قِرَدَةً وخَنازِيرَ. ورَوى ابْنُ عَبّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "مَن لَعَنَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلَعْنِهِ أهْلًا رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلى اليَهُودِ بِلَعْنَةِ اللَّهِ إيّاهُمْ" .» قالَ الزَّجّاجُ: وقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّ مَعْنى "يَدُ اللَّهِ": نِعْمَتُهُ، وهَذا خَطَأٌ يَنْقُضُهُ ﴿بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ﴾ فَيَكُونُ المَعْنى عَلى قَوْلِهِمْ: نِعْمَتاهُ، ونِعَمُ اللَّهِ أكْثَرُ مِن أنْ تُحْصى. والمُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ﴾: أنَّهُ جَوادٌ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وإلى نَحْوِ هَذا ذَهَبَ ابْنُ الأنْبارِيِّ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنْ شاءَ وسَّعَ في الرِّزْقِ، وإنْ شاءَ قَتَّرَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنهم ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ طُغْيانًا وكُفْرًا﴾ قالَ الزَّجّاجُ: كُلَّما أُنْزِلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، كَفَرُوا بِهِ، فَيَزِيدُ كُفْرُهم. و "الطُّغْيانُ" هاهُنا: الغُلُوُّ في الكُفْرِ. وقالَ مُقاتِلٌ: ولِيَزِيدَنَّ بَنِي النَّضِيرِ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ مِن أمْرِ الرَّجْمِ والدِّماءِ طُغْيانًا وكُفْرًا. (p-٣٩٤)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَألْقَيْنا بَيْنَهُمُ العَداوَةَ والبَغْضاءَ﴾ فَيْمَن عُنِيَ بِهَذا قَوْلانِ. أحَدُهُما: اليَهُودُ والنَّصارى، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، ومُقاتِلٌ. فَإنْ قِيلَ: فَأيْنَ ذِكْرُ النَّصارى؟ فالجَوابُ: أنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصارى أوْلِياءَ﴾ . والثّانِي: أنَّهُمُ اليَهُودُ، قالَهُ قَتادَةُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلَّما أوْقَدُوا نارًا لِلْحَرْبِ أطْفَأها اللَّهُ﴾ ذِكْرُ إيقادِ النّارِ مَثَلٌ ضُرِبَ لِاجْتِهادِهِمْ في المُحارَبَةِ، وقِيلَ: إنَّ الأصْلَ في اسْتِعارَةِ اسْمِ النّارِ لِلْحَرْبِ أنَّ القَبِيلَةَ مِنَ العَرَبِ كانَتْ إذا أرادَتْ حَرْبَ أُخْرى أوْقَدَتِ النّارَ عَلى رُؤُوسِ الجِبالِ، والمَواضِعِ المُرْتَفِعَةِ، لِيُعْلَمَ اسْتِعْدادُهم لِلْحَرْبِ، فَيَتَأهَّبَ مَن يُرِيدُ إعانَتَهم. وقِيلَ: كانُوا إذا تَحالَفُوا عَلى الجِدِّ في حَرْبِهِمْ، أوْقَدُوا نارًا، وتَحالَفُوا. وَفِي مَعْنى الآيَةِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: كُلَّما جَمَعُوا لِحَرْبِ النَّبِيِّ ﷺ فَرَّقَهُمُ اللَّهُ. والثّانِي: كُلَّما مَكَرُوا مَكْرًا رَدَّهُ اللَّهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَسْعَوْنَ في الأرْضِ فَسادًا﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: بِالمَعاصِي، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُقاتِلٌ. والثّانِي: بِمَحْوِ ذِكْرِ النَّبِيِّ ﷺ مَن كُتُبِهِمْ، ودَفْعِ الإسْلامِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. والثّالِثُ: بِالكُفْرِ. والرّابِعُ: بِالظُّلْمِ، ذَكَرَهُما الماوَرْدِيُّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب