الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ﴾ اخْتَلَفُوا فِيمَن نَزَلَتْ عَلى خَمْسَةِ أقْوالٍ. أحَدُها: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِيَهُودِيٍّ وقَدْ حَمَّمُوهُ وجَلَدُوهُ، فَقالَ: أهَكَذا تَجِدُونَ حَدَّ الزّانِي في كِتابِكُمْ؟ قالُوا: نَعَمَ، فَدَعا رَجُلًا مِن عُلَمائِهِمْ، فَقالَ: أُنْشِدُكَ اللَّهَ الَّذِي أنْزَلَ التَّوْراةَ عَلى مُوسى، هَكَذا تَجِدُونَ حَدَّ الزّانِي في كِتابِكُمْ؟ قالَ: لا، ولَكِنَّهُ كَثُرَ في أشْرافِنا، فَكُنّا نَتْرُكُ الشَّرِيفَ، ونُقِيمُهُ عَلى الوَضِيعِ، فَقُلْنا: تَعالَوْا نُجْمِعْ عَلى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلى الشَّرِيفِ والوَضِيعِ، فاجْتَمَعْنا عَلى التَّحْمِيمِ والجَلْدِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "اللَّهُمَّ إنِّي أوَّلُ مَن أحْيا أمْرَكَ إذْ أماتُوهُ" فَأمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، ونَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ،» رَواهُ البَراءُ بْنُ عازِبٍ.
(p-٣٥٧)والثّانِي: أنَّها نَزَلَتْ في ابْنِ صُورِيّا آمَنَ ثُمَّ كَفَرَ، وهَذا المَعْنى مَرْوِيٌّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ.
والثّالِثُ: أنَّها نَزَلَتْ في يَهُودِيٍّ قَتَلَ يَهُودِيًّا، ثُمَّ قالَ: سَلُوا مُحَمَّدًا فَإنْ كانَ بُعِثَ بِالدِّيَةِ، اخْتَصَمْنا إلَيْهِ، وإنْ كانَ بُعِثَ بِالقَتْلِ، لَمْ نَأْتِهِ، قالَهُ الشَّعْبِيُّ.
والرّابِعُ: أنَّها نَزَلَتْ في المُنافِقِينَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ.
والخامِسُ: أنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ أشارَتْ إلَيْهِ قُرَيْظَةُ يَوْمَ حِصارِهِمْ عَلى ماذا نَنْزِلُ؟ فَأشارَ إلَيْهِمْ: أنَّهُ الذَّبْحُ، قالَهُ السُّدِّيُّ. قالَ مُقاتِلٌ: هو أبُو لُبابَةَ بْنُ عَبْدِ المُنْذِرِ، قالَتْ لَهُ قُرَيْظَةُ: أتَنْزِلُ عَلى حُكْمِ سَعْدٍ، فَأشارَ بِيَدِهِ: أنَّهُ الذَّبْحُ، وكانَ حَلِيفًا لَهم. قالَ أبُو لُبابَةَ: فَعَلِمْتُ أنِّي قَدْ خُنْتُ اللَّهَ ورَسُولَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. ومَعْنى الكَلامِ: لا يَحْزُنْكَ مُسارَعَةُ الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأفْواهِهِمْ وهُمُ المُنافِقُونَ، ومِنَ الَّذِينَ هادُوا وهُمُ اليَهُودُ.
﴿سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ قالَ سِيبَوَيْهِ: هو مَرْفُوعٌ بِالِابْتِداءِ. قالَ أبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ رَفْعُهُ عَلى مَعْنى: ومِنِ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ. وفي مَعْناهُ: أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: سَمّاعُونَ مِنكَ لِيَكْذِبُوا عَلَيْكَ. والثّانِي: سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ، أيْ: قائِلُونَ لَهُ. والثّالِثُ: سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ الَّذِي بَدَّلُوهُ في تَوْراتِهِمْ. والرّابِعُ: سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ، أيْ: قابِلُونَ لَهُ، ومِنهُ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ" أيْ: قَبِلَ.
(p-٣٥٨)وَفِي قَوْلِهِ ﴿سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: يَسْمَعُونَ لِأُولَئِكَ، فَهم عُيُونٌ لَهم.
والثّانِي: سَمّاعُونَ مِن قَوْمٍ آخَرِينَ، وهم رُؤَساؤُهُمُ المُبَدِّلُونَ التَّوْراةَ.
وَفِي السَّمّاعِينَ لِلْكَذِبِ، ولِلْقَوْمِ الآخَرِينَ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّ "السَّمّاعِينَ لِلْكَذِبِ" يَهُودُ المَدِينَةِ، والقَوْمُ الآخَرُونَ [الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ] يَهُودُ فَدَكٍ. والثّانِي: بِالعَكْسِ مِن هَذا.
وَفِي تَحْرِيفِهِمُ الكَلِمَ خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ تَغْيِيرُ حُدُودِ اللَّهِ في التَّوْراةِ، وذَلِكَ أنَّهم غَيَّرُوا الرَّجْمَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والجُمْهُورُ.
والثّانِي: تَغْيِيرُ ما يَسْمَعُونَهُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ بِالكَذِبِ عَلَيْهِ، قالَهُ الحَسَنُ.
والثّالِثُ: إخْفاءُ صِفَةِ النَّبِيِّ ﷺ . والرّابِعُ: إسْقاطُ القَوَدِ بَعْدَ اسْتِحْقاقِهِ.
والخامِسُ: سُوءُ التَّأْوِيلِ، وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: المَعْنى يُحَرِّفُونَ حُكْمَ الكَلِمِ، فَحَذَفَ ذِكْرَ الحُكْمِ لِمَعْرِفَةِ السّامِعِينَ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: أيْ: مِن بَعْدِ أنْ وضَعَهُ اللَّهُ مَواضِعَهُ، فَأحَلَّ حَلالَهُ، وحَرَّمَ حَرامَهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَقُولُونَ إنْ أُوتِيتُمْ هَذا فَخُذُوهُ﴾ في القائِلِينَ لِهَذا قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُمُ اليَهُودُ، وذَلِكَ أنَّ رَجُلًا وامْرَأةً مِن أشْرافِهِمْ زَنَيا، فَكانَ حَدَّهُما الرَّجْمُ، فَكَرِهَتِ اليَهُودُ رَجْمَهُما، فَبَعَثُوا إلى النَّبِيِّ ﷺ يَسْألُونَهُ عَنْ قَضائِهِ في الزّانِيَيْنِ إذا أُحْصِنا، وقالُوا: إنْ أفْتاكم بِالجْلَدِ فَخُذُوهُ، وإنْ أفْتاكم بِالرَّجْمِ فَلا تَعْمَلُوا بِهِ، هَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ. (p-٣٥٩)والثّانِي: أنَّهُمُ المُنافِقُونَ. قالَ قَتادَةُ: وذَلِكَ «أنَّ بَنِي النَّضِيرِ كانُوا لا يُعْطُونَ قُرَيْظَةَ القَوَدَ إذا قَتَلُوا مِنهم، وإنَّما يُعْطُونَهُمُ الدِّيَةَ، فَإذا قَتَلَتْ قُرَيْظَةُ مِنَ النَّضِيرِ لَمْ يَرْضَوْا إلّا بِالقَوَدِ تَعَزُّزًا عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَ بَنُو النَّضِيرِ رَجُلًا مِن قُرَيْظَةَ عَمْدًا، فَأرادُوا رَفْعَ ذَلِكَ إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ المُنافِقِينَ: إنَّ قَتِيلَكم قَتِيلُ عَمْدٍ، ومَتى تَرْفَعُوا ذَلِكَ إلى مُحَمَّدٍ خَشِيتُ عَلَيْكُمُ القَوَدَ، فَإنْ قَبِلَتْ مِنكُمُ الدِّيَةَ فَأعْطُوا، وإلّا فَكُونُوا مِنهُ عَلى حَذَرٍ.» وفي مَعْنى "فاحْذَرُوا" ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: فاحْذَرُوا أنْ تَعْمَلُوا بِقَوْلِهِ الشَّدِيدِ. والثّانِي: فاحْذَرُوا أنْ تُطْلِعُوهُ عَلى ما في التَّوْراةِ فَيَأْخُذَكم بِالعَمَلِ بِهِ. والثّالِثُ: فاحْذَرُوا أنْ تَسْألُوهُ بَعْدَها.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ﴾ في "الفِتْنَةِ" ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّها بِمَعْنى: الضَّلالَةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ. والثّانِي: العَذابُ، قالَهُ الحَسَنُ، وقَتادَةُ. والثّالِثُ: الفَضِيحَةُ، ذَكَرَهُ الزَّجّاجُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ أيْ: لا تُغْنِي عَنْهُ، ولا تَقْدِرُ عَلى اسْتِنْقاذِهِ. وفي هَذا تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ مِن حُزْنِهِ عَلى مُسارَعَتِهِمْ في الكُفْرِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ قالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي المُنافِقِينَ واليَهُودَ، لَمْ يُرِدْ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهم مِن دَنَسِ الكُفْرِ، ووَسَخِ الشِّرْكِ بِطِهارَةِ الإيمانِ والإسْلامِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَهم في الدُّنْيا خِزْيٌ﴾ أمّا خِزْيُ المُنافِقِينَ، فَبِهَتْكِ سِتْرِهِمْ وإطْلاعِ النَّبِيِّ عَلى كُفْرِهِمْ، وخِزْيُ اليَهُودِ بِفَضِيحَتِهِمْ في إظْهارِ كَذِبِهِمْ إذْ كَتَمُوا الرَّجْمَ، وبِأخْذِ الجِزْيَةِ مِنهم. قالَ مُقاتِلٌ: وخْزِيُ قُرَيْظَةَ بِقَتْلِهِمْ وسَبْيِهِمْ، وخْزِيُ النَّضِيرِ بِإجْلائِهِمْ.
{"ayah":"۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا یَحۡزُنكَ ٱلَّذِینَ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡكُفۡرِ مِنَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِأَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡۛ وَمِنَ ٱلَّذِینَ هَادُوا۟ۛ سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّـٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِینَ لَمۡ یَأۡتُوكَۖ یُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦۖ یَقُولُونَ إِنۡ أُوتِیتُمۡ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَٱحۡذَرُوا۟ۚ وَمَن یُرِدِ ٱللَّهُ فِتۡنَتَهُۥ فَلَن تَمۡلِكَ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِ شَیۡـًٔاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُرِدِ ٱللَّهُ أَن یُطَهِّرَ قُلُوبَهُمۡۚ لَهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا خِزۡیࣱۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











