قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا نُرِيدُ أنْ نَأْكُلَ مِنها﴾ هَذا اعْتِذارٌ مِنهم بَيَّنُوا بِهِ سَبَبَ سُؤالِهِمْ حِينَ نُهُوا عَنْهُ. وفي إرادَتِهِمْ لِلْأكْلِ مِنها ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهم أرادُوا ذَلِكَ لِلْحاجَةِ، وشِدَّةِ الجُوعِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
والثّانِي: لِيَزْدادُوا إيمانًا، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ.
والثّالِثُ: لِلتَّبَرُّكِ بِها، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. وفي قَوْلِهِ: ﴿وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا﴾ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: تَطْمَئِنُّ إلى أنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ بَعَثَكَ إلَيْنا نَبِيًّا.
والثّانِي: إلى أنَّ اللَّهَ تَعالى قَدِ اخْتارَنا أعْوانًا لَكَ.
والثّالِثُ: إلى أنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ أجابَكَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: قالَ لَهم عِيسى: هَلْ لَكَمَ أنْ تَصُومُوا لِلَّهِ ثَلاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ لا تَسْألُونَهُ شَيْئًا إلّا أعْطاكُمْ؟ فَصامُوا، ثُمَّ سَألُوا المائِدَةَ. فَمَعْنى: ( ونَعْلَمُ أنْ صَدَقْتِنا ) في أنّا إذا صُمْنا ثَلاثِينَ يَوْمًا لَمْ نَسْألِ اللَّهَ شَيْئًا إلّا أعْطانا. وفي هَذا العِلْمِ قَوْلانِ. (p-٤٥٨)أحَدُهُما: أنَّهُ عِلْمٌ يَحْدُثُ لَهم لَمْ يَكُنْ، وهو قَوْلُ مَن قالَ: كانَ سُؤالُهم قَبْلَ اسْتِحْكامِ مَعْرِفَتِهِمْ.
والثّانِي: أنَّهُ زِيادَةُ عِلْمٍ إلى عِلْمٍ، ويَقِينٍ إلى يَقِينٍ، وهو قَوْلُ مَن قالَ: كانَ سُؤالُهم بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ. وقَرَأ الأعْمَشُ: "وَتَعْلَمَ" بِالتّاءِ، والمَعْنى: وتَعْلَمَ القُلُوبُ أنْ قَدْ صَدَقْتَنا. وفي قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الشّاهِدِينَ﴾ أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: مِنَ الشّاهِدَيْنِ لِلَّهِ بِالقُدْرَةِ، ولَكَ بِالنُّبُوَّةِ. والثّانِي: عِنْدَ بَنِي إسْرائِيلَ إذا رَجَعْنا إلَيْهِمْ، وذَلِكَ أنَّهم كانُوا مَعَ عِيسى في البَرِّيَّةِ عِنْدَ هَذا السُّؤالِ. والثّالِثُ: مِنَ الشّاهِدَيْنِ عِنْدَ مَن يَأْتِي مِن قَوْمِنا بِما شاهَدْنا مِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى أنَّكَ نَبِيٌّ.
والرّابِعُ: مِنَ الشّاهِدَيْنِ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ بِأداءَ ما بُعِثْتَ بِهِ.
{"ayah":"قَالُوا۟ نُرِیدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا وَتَطۡمَىِٕنَّ قُلُوبُنَا وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا وَنَكُونَ عَلَیۡهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ"}