الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِن وراءِ الحُجُراتِ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: «أنَّ بَنِي تَمِيمٍ جاؤُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنادَوْا عَلى البابِ: يا مُحَمَّدُ اخْرُجْ إلَيْنا، فَإنَّ مَدْحَنا زَيْنٌ وإنَّ ذَمَّنا شَيْنٌ، فَخَرَجَ وهو يَقُولُ: "إنَّما ذَلِكُمُ اللَّهُ"، فَقالُوا: نَحْنُ ناسٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ جِئْنا بِشاعِرِنا وخَطِيبِنا نُشاعِرُكَ ونُفاخِرُكَ، فَقالَ: "ما بِالشِّعْرِ بُعِثْتُ ولا بِالفَخارِ أُمِرْتُ، ولَكِنْ هاتُوا"، فَقالَ الزِّبْرِقانُ بْنُ بَدْرٍ لِشابٍّ مِنهُمْ: قُمْ فاذْكُرْ فَضْلَكَ وفَضْلَ قَوْمِكَ، فَقامَ فَذَكَرَ ذَلِكَ، فَأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَأجابَهُ، وقامَ شاعِرُهُمْ، فَأجابَهُ حَسّانُ، فَقالَ الأقْرَعُ بْنُ حابِسٍ: واللَّهِ ما أدْرِي ما هَذا الأمْرُ؟! تَكَلَّمَ خَطِيبُنا فَكانَ خَطِيبُهم أحْسَنَ قَوْلًا، وتَكَلَّمَ شاعِرُنا فَكانَ شاعِرُهم أشْعَرَ، ثُمَّ دَنا فَأسْلَمَ، فَأعْطاهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وكَساهُمْ، وارْتَفَعَتِ الأصْواتُ وكَثُرَ اللَّغَطُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ،» هَذا قَوْلُ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ في آخَرِينَ. وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: نَزَلَتْ في جُفاةِ بَنِي تَمِيمٍ، وكانَ فِيهِمُ الأقْرَعُ (p-٤٥٩)بْنُ حابِسٍ، وعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، والزِّبْرِقانُ بْنُ بَدْرٍ، [وَقَيْسُ بْن ُعاصِمٍ المُنْقِرِيُّ]، وخالِدُ بْنُ مالِكٍ، وسُوَيْدُ بْنُ هِشامٍ، وهُما نَهْشَلِيّانِ، والقَعْقاعُ بْنُ مَعْبِدٍ، وعَطاءُ بْنُ حابِسٍ، ووَكِيعُ بْنُ وكِيعٍ. والثّانِي: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ سَرِيَّةً إلى بَنِي العَنْبَرِ، وأمَّرَ عَلَيْهِمْ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ الفَزارِيَّ، فَلَمّا عَلِمُوا بِذَلِكَ هَرَبُوا وتَرَكُوا عِيالَهُمْ، فَسَباهم عُيَيْنَةُ، فَجاءَ رِجالُهم يَفْدُونَ الذَّرارِي، فَقَدِمُوا وقْتَ الظَّهِيرَةِ ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ قائِلٌ، فَجَعَلُوا يُنادُونَ يا مُحَمَّدُ اخْرُجْ إلَيْنا، حَتّى أيْقَظُوهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ،» قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّ ناسًا مِنَ العَرَبِ قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: انْطَلَقُوا بِنا إلى هَذا الرَّجُلِ، فَإنْ يَكُنْ نَبِيًّا نَكُنْ أسْعَدَ النّاسِ بِهِ، وإنْ يَكُنْ مَلِكًا نَعْشِ في جَناحِهِ، فَجاؤُوا، فَجَعَلُوا يُنادُونَ يا مُحَمَّدُ، يا مُحَمَّدُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، [قالَهُ زَيْدُ بْنُ أرْقَمَ] . فَأمّا "الحُجُراتُ" فَقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وعائِشَةُ، وأبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، ومُجاهِدٌ، وأبُو العالِيَةِ، وابْنُ يَعْمَرَ، [وَأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ]: بِفَتْحِ الجِيمِ؛ وأسْكَنَها أبُو رَزِينٍ، وسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ؛ وضَمَّها الباقُونَ. قالَ الفَرّاءُ: وجْهُ (p-٤٦٠)الكَلامِ أنْ تَضُمَّ الحاءَ والجِيمَ، وبَعْضُ العَرَبِ يَقُولُ: الحُجُراتُ والرُّكُباتُ، ورُبَّما خَفَّفُوا فَقالُوا: "الحُجْراتُ"، والتَّخْفِيفُ في تَمِيمٍ، والتَّثْقِيلُ في أهْلِ الحِجازِ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: واحِدُ الحُجُراتِ حُجْرَةٌ، مِثْلُ ظُلْمَةٍ وظُلُماتٍ. قالَ المُفَسِّرُونَ: وإنَّما نادَوْا مِن وراءِ الحُجُراتِ، لِأنَّهم لَمْ يَعْلَمُوا في أيِّ الحُجَرِ رَسُولُ اللَّهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ أنَّهم صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إلَيْهِمْ لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: أيْ: لَكانَ الصَّبْرُ خَيْرًا لَهم. وفي وجْهِ كَوْنِهِ خَيْرًا لَهم قَوْلانِ. أحَدُهُما: لَكانَ خَيْرًا لَهم فِيما قَدِمُوا لَهُ مِن فِداءِ ذَرارِيهِمْ، فَلَوْ صَبَرُوا خَلّى سَبِيلَهم بِغَيْرِ فِداءٍ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّانِي: لَكانَ أحْسَنَ لِآدابِهِمْ في طاعَةِ اللَّهِ ورَسُولِهِ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أيْ: لِمَن تابَ مِنهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب