الباحث القرآني

(p-٤٧٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَتِ الأعْرابُ آمَنّا﴾ قالَ مُجاهِدٌ: نَزَلَتْ في أعْرابِ بَنِي أسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ. ووَصَفَ غَيْرُهُ حالَهُمْ، فَقالَ: قَدِمُوا المَدِينَةَ في سَنَةٍ مُجْدِبَةٍ، فَأظْهَرُوا (p-٤٧٦)الإسْلامَ ولَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، وأفْسَدُوا طُرُقَ المَدِينَةِ بِالعُذُراتِ، وأغْلَوا أسْعارَهُمْ، وكانُوا يَمُنُّونَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَيَقُولُونَ: أتَيْناكَ بِالأثْقالِ والعِيالِ، ولَمْ نُقاتِلْكَ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ. وقالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ في أعْرابِ مُزَيْنَةَ وجُهَيْنَةَ وأسْلَمَ وأشْجَعَ وغِفارٍ [وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى في سُورَةِ [الفَتْحِ] وكانُوا يَقُولُونَ: آمَنّا بِاللَّهِ، لِيَأْمَنُوا عَلى أنْفُسِهِمْ]، فَلَمّا اسْتُنْفِرُوا إلى الحُدَيْبِيَةِ تَخَلَّفُوا، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ. وقالَ مُقاتِلٌ: كانَتْ مَنازِلُهم بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ، فَكانُوا إذا مَرَّتْ بِهِمْ سَرِيَّةٌ مِن سَرايا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالُوا: آمَنّا، لِيَأْمَنُوا عَلى دِمائِهِمْ وأمْوالِهِمْ، فَلَمّا سارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى الحُدَيْبِيَةِ اسْتَنْفَرَهم فَلَمْ يَنْفِرُوا مَعَهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا﴾ أيْ: لَمْ تُصَدِّقُوا ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيِ: اسْتَسْلَمْنا مِن خَوْفِ السَّيْفِ، وانْقَدْنا. قالَ الزَّجّاجُ: الإسْلامُ: إظْهارُ الخُضُوعِ والقَبُولِ لِما أتى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وبِذَلِكَ يُحْقَنُ الدَّمُ، فَإنْ كانَ مَعَهُ اعْتِقادٌ وتَصْدِيقٌ بِالقَلْبِ، فَذَلِكَ الإيمانُ، فَأخْرَجَ اللَّهُ هَؤُلاءِ مِنَ الإيمانِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَمّا يَدْخُلِ الإيمانُ في قُلُوبِكُمْ﴾ أيْ: لَمْ تُصَدِّقُوا، إنَّما أسْلَمْتُمْ تَعَوُّذًا مِنَ القَتْلِ. وقالَ مُقاتِلٌ: "وَلَمّا" بِمَعْنى "وَلَمْ" يَدْخُلِ التَّصْدِيقُ في قُلُوبِكم. (p-٤٧٧)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ تُطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنْ تُخْلِصُوا الإيمانَ ﴿لا يَلِتْكُمْ﴾ قَرَأ أبُو عَمْرٍو: "يَأْلِتْكُمْ" بِألِفٍ وهَمْزٍ؛ ورُوِيَ عَنْهُ بِألِفٍ ساكِنَةٍ مَعَ تَرْكِ الهَمْزَةِ: وقَرَأ الباقُونَ: "يَلِتْكُمْ" بِغَيْرِ ألِفٍ ولا هَمْزٍ. فَقِراءَةُ أبِي عَمْرٍو مِن ألَتَ يَأْلِتُ، وقِراءَةُ الباقِينَ مِن لاتَ يَلِيتُ، قالَ الفَرّاءُ: وهُما لُغَتانِ، قالَ الزَّجّاجُ: مَعْناهُما واحِدٌ. والمَعْنى: لا يَنْقُصُكم. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: فِيها ثَلاثُ لُغاتٍ: ألَتَ يَأْلِتُ، تَقْدِيرُها: أفَكَ يَأْفِكُ، وألاتَ يُلِيتُ، تَقْدِيرُها: أقالَ يُقِيلُ، ولاتَ يَلِيتُ، قالَ رُؤْبَةُ: ؎ ولَيْلَةٍ ذاتِ نَدًى سَرَيْتُ ولَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُراها لَيْتُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن أعْمالِكُمْ﴾ أيْ: مِن ثَوابِها. ثُمَّ نَعَتَ الصّادِقِينَ في إيمانِهِمْ بِالآيَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ. ومَعْنى: ﴿يَرْتابُوا﴾ يَشُكُّوا. وإنَّما ذُكِرَ الجِهادُ، لِأنَّ الجِهادَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كانَ فَرْضًا في ذَلِكَ الوَقْتِ، ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ﴾ [فِي إيمانِهِمْ فَلَمّا نَزَلَتْ هاتانِ الآيَتانِ أتَوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَحْلِفُونَ أنَّهم مُؤْمِنُونَ صادِقُونَ] فَنَزَلَتْ [هَذِهِ الآيَةُ] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ أتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ﴾ و "عَلَّمَ" بِمَعْنى "أعْلَمَ"، ولِذَلِكَ دَخَلَتِ الباءُ في قَوْلِهِ: "بِدِينِكُمْ" والمَعْنى: أتُخَبِّرُونَ [اللَّهَ] بِالدِّينِ الَّذِي أنْتُمْ عَلَيْهِ؟!، (p-٤٧٨)أيْ: هو عالِمٌ بِذَلِكَ لا يَحْتاجُ إلى إخْبارِكُمْ؛ وفِيهِمْ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا﴾ قالُوا: أسْلَمْنا ولَمْ نُقاتِلْكَ [واللَّهُ أعْلَمُ] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب