الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ السَّكِينَةَ﴾ أيِ: السُّكُونُ والطُّمَأْنِينَةُ ﴿فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ﴾ لِئَلّا تَنْزَعِجَ قُلُوبُهم لِما يَرِدُ عَلَيْهِمْ، فَسَلَّمُوا لِقَضاءِ اللَّهِ، وكانُوا قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ صَدُّ المُشْرِكِينَ لَهم عَنِ البَيْتِ، حَتّى «قالَ عُمَرُ: عَلامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنا؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أنا عَبْدُ اللَّهِ ورَسُولُهُ، لَنْ أُخالِفَ أمْرَهُ ولَنْ يُضَيِّعَنِي"،» ثُمَّ أوْقَعَ اللَّهُ الرِّضى بِما جَرى في قُلُوبِ المُسْلِمِينَ، فَسَلَّمُوا وأطاعُوا.
﴿لِيَزْدادُوا إيمانًا﴾ وذَلِكَ أنَّهُ كُلَّما نَزَلَتْ فَرِيضَةٌ زادَ إيمانُهم.
﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ يُرِيدُ أنَّ جَمِيعَ أهْلِ السَّمَواتِ والأرْضِ مِلْكٌ لَهُ، لَوْ أرادَ نُصْرَةَ نَبِيِّهِ بِغَيْرِكم لَفَعَلَ، ولَكِنَّهُ اخْتارَكم لِذَلِكَ، فاشْكُرُوهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ. . .﴾ [الآيَةُ] سَبَبُ نُزُولِها «أنَّهُ لَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ: "إنّا فَتَحْنا لَكَ" قالَ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: هَنِيئًا لَكَ يا رَسُولَ اللَّهِ بِما أعْطاكَ اللَّهُ، فَما لَنا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ،» قالَهُ أنَسُ بْنُ مالِكٍ. قالَ مُقاتِلٌ: (p-٤٢٦)فَلَمّا سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِذَلِكَ، انْطَلَقَ في نَفَرٍ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: ما لَنا عِنْدَ اللَّهِ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿وَيُعَذِّبَ المُنافِقِينَ. . .﴾ الآيَةُ.
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: كُرِّرَتِ اللّامُ في "لِيُدْخِلَ" عَلى اللّامِ في "لِيَغْفِرَ"، فالمَعْنى: إنّا فَتَحْنا لَكَ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ، ولِذَلِكَ لَمْ يُدْخِلْ بَيْنَهُما واوَ العَطْفِ، والمَعْنى: لِيُدْخِلَ ولِيُعَذِّبَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو: بِضَمِّ السِّينِ؛ والباقُونَ: بِفَتْحِها.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكانَ ذَلِكَ﴾ أيْ: ذَلِكَ الوَعْدُ بِإدْخالِهِمُ الجَنَّةَ وتَكْفِيرِ سَيِّئاتِهِمْ ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيْ: في حُكْمِهِ ﴿فَوْزًا عَظِيمًا﴾ لَهُمْ؛ والمَعْنى: أنَّهُ حَكَمَ لَهم بِالفَوْزِ، فَلِذَلِكَ وعَدَهم إدْخالَ الجَنَّةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الظّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهم ظَنُّوا أنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا. والثّانِي: أنَّ اللَّهَ لا يَنْصُرُ مُحَمَّدًا وأصْحابَهُ. والثّالِثُ: أنَّهم ظَنُّوا بِهِ حِينَ خَرَجَ إلى الحُدَيْبِيَةِ أنَّهُ سَيُقْتَلُ أوَيُهْزَمُ ولا يَعُودُ ظافِرًا. والرّابِعُ: أنَّهم ظَنُّوا أنَّهم ورَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِمَنزِلَةٍ واحِدَةٍ عِنْدَ اللَّهِ. والخامِسُ: ظَنُّوا أنَّ اللَّهَ لا يَبْعَثُ المَوْتى. وقَدْ بَيَّنّا مَعْنى "دائِرَةُ السَّوْءِ" في [بَراءَةٍ: ٩٨] .
وَما بَعْدَ هَذا قَدْ سَبَقَ بَيانُهُ [الفَتْحِ: ٤، الأحْزابِ: ٤٥] إلى قَوْلِهِ: ( لِيُؤْمِنُوا (p-٤٢٧)بِاللَّهِ ورَسُوله ) قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ" وأبُو عَمْرٍو: "لِيُؤْمِنُوا" بِالياءِ "وَيُعَزِّرُوهُ ويُوَقِّرُوهُ ويُسَبِّحُوهُ" كُلُّهُنَّ بِالياءِ؛ والباقُونَ: بِالتّاءِ؛ عَلى مَعْنى: قُلْ لَهُمْ: إنّا أرْسَلْناكَ، لِتُؤْمِنُوا وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ: "وَيُعَزِّزُوهُ" بِزاءَيْنِ. وقَدْ ذَكَرْنا في [الأعْرافِ: ١٥٧] مَعْنى "وَيُعَزِّرُوهُ" عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَعَزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ﴾ .
قَوْلُهُ تَعالى: ( ويُوَقِّرُوهُ ) أيْ: يُعَظِّمُوهُ ويُبَجِّلُوهُ. واخْتارَ كَثِيرٌ مِنَ القُرّاءِ الوَقْفَ هاهُنا، لِاخْتِلافِ الكِنايَةِ فِيهِ وفِيما بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ( ويُسَبِّحُوهُ ) هَذِهِ الهاءُ تَرْجِعُ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. والمُرادُ بِتَسْبِيحِهِ هاهُنا: الصَّلاةُ لَهُ. قالَ المُفَسِّرُونَ: والمُرادُ بِصَلاةِ البُكْرَةِ: الفَجْرُ، وبِصَلاةِ الأصِيلِ: باقِي الصَّلَواتِ الخَمْسِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ﴾ يَعْنِي بَيْعَةَ الرِّضْوانِ بِالحُدَيْبِيَةِ. وعَلى ماذا بايَعُوهُ؟ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهم بايَعُوهُ عَلى المَوْتِ، قالَهُ عُبادَةُ بْنُ الصّامِتِ.
والثّانِي: عَلى أنْ لا يَفِرُّوا، قالَهُ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. ومَعْناهُما مُتَقارِبٌ، لِأنَّهُ أرادَ: عَلى أنْ لا تَفِرُّوا ولَوْ مُتُّمْ. وسُمِّيَتْ بَيْعَةً، لِأنَّهم باعُوا أنْفُسَهم مِنَ اللَّهِ بِالجَنَّةِ، وكانَ العَقْدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَكَأنَّهم بايَعُوا اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ، لِأنَّهُ ضِمْنَ لَهُمُ الجَنَّةُ بِوَفائِهِمْ.
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: يَدُ اللَّهِ في الوَفاءِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ. والثّانِي: يَدُ اللَّهِ في الثَّوابِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ. والثّالِثُ: يَدُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ في المِنَّةِ بِالهِدايَةِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ بِالطّاعَةِ، ذَكَرَ هَذِهِ (p-٤٢٨)الأقْوالَ الزَّجّاجُ. والرّابِعُ: قُوَّةُ اللَّهِ ونُصْرَتُهُ فَوْقَ قُوَّتِهِمْ ونُصْرَتِهِمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ كَيْسانَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن نَكَثَ﴾ أيْ: نَقَضَ ما عَقَدَهُ مِن هَذِهِ البَيْعَةِ ﴿فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ﴾ أيْ: يَرْجِعُ ذَلِكَ النَّقْضُ عَلَيْهِ ﴿وَمَن أوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ﴾ مِنَ البَيْعَةِ ( فَسَنُؤْتِيه ) قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وأبانُ عَنْ عاصِمٍ: "فَسَنُؤْتِيهِ" بِالنُّونِ. وقَرَأ عاصِمٌ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: بِالياءِ ﴿أجْرًا عَظِيمًا﴾ وهو الجَنَّةُ. قالَ ابْنُ السّائِبِ: فَلَمْ يَنْكُثِ العَهْدَ مِنهم غَيْرُ رَجُلٍ واحِدٍ يُقالُ لَهُ: الجِدُّ بْنُ قَيْسٍ، وكانَ مُنافِقًا.
{"ayahs_start":4,"ayahs":["هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ فِی قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ لِیَزۡدَادُوۤا۟ إِیمَـٰنࣰا مَّعَ إِیمَـٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا","لِّیُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَا وَیُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَ ٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِیمࣰا","وَیُعَذِّبَ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَٱلۡمُنَـٰفِقَـٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِینَ وَٱلۡمُشۡرِكَـٰتِ ٱلظَّاۤنِّینَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَیۡهِمۡ دَاۤىِٕرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرࣰا","وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمًا","إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ شَـٰهِدࣰا وَمُبَشِّرࣰا وَنَذِیرࣰا","لِّتُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلًا","إِنَّ ٱلَّذِینَ یُبَایِعُونَكَ إِنَّمَا یُبَایِعُونَ ٱللَّهَ یَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَیۡدِیهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا یَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَیۡهُ ٱللَّهَ فَسَیُؤۡتِیهِ أَجۡرًا عَظِیمࣰا"],"ayah":"هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ فِی قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ لِیَزۡدَادُوۤا۟ إِیمَـٰنࣰا مَّعَ إِیمَـٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق