الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالحَقِّ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: سَبَبُ نُزُولِها «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ أُرِيَ في المَنامِ قَبْلَ خُرُوجِهِ إلى الحُدَيْبِيَةَ قائِلًا يَقُولُ لَهُ: ﴿لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرامَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿لا تَخافُونَ﴾ ورَأى كَأنَّهُ هو وأصْحابُهُ يَدْخُلُونَ مَكَّةَ وقَدْ حَلَقُوا وقَصَّرُوا، فَأخْبَرَ بِذَلِكَ أصْحابَهُ فَفَرِحُوا، فَلَمّا خَرَجُوا إلى الحُدَيْبِيَةِ حَسِبُوا أنَّهم يَدْخُلُونَ مَكَّةَ في عامِهِمْ ذَلِكَ، فَلَمّا رَجَعُوا (p-٤٤٣)وَلَمْ يَدْخُلُوا قالَ المُنافِقُونَ: أيْنَ رُؤْياهُ الَّتِي رَأى؟! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَدَخَلُوا في العامِ المُقْبِلِ.» وَفِي قَوْلِهِ: ﴿إنْ شاءَ اللَّهُ﴾ سِتَّةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ "إنَّ" بِمَعْنى "إذْ" قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ، وابْنُ قُتَيْبَةَ. والثّانِي: أنَّهُ اسْتِثْناءٌ مِنَ اللَّهِ، وقَدْ عَلِمَهُ، والخَلْقُ يَسْتَثْنُونَ فِيما لا يَعْلَمُونَ، قالَهُ ثَعْلَبٌ؛ فَعَلى هَذا يَكُونُ المَعْنى أنَّهُ عَلِمَ أنَّهم سَيَدْخُلُونَهُ، ولَكِنِ اسْتَثْنى عَلى ما أمَرَ الخَلْقَ بِهِ مِنَ الِاسْتِثْناءِ. والثّالِثُ: أنَّ المَعْنى: لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرامَ إنْ أمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. والرّابِعُ: أنَّ الِاسْتِثْناءَ يَعُودُ إلى دُخُولِ بَعْضِهِمْ أوْ جَمِيعِهِمْ، لِأنَّهُ عَلِمَ أنَّ بَعْضَهم يَمُوتُ، حَكاهُ الماوَرْدِيُّ. والخامِسُ: أنَّهُ عَلى وجْهِ الحِكايَةِ لِما رَآهُ النَّبِيُّ ﷺ في المَنامِ أنَّ قائِلًا يَقُولُ: ﴿لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرامَ إنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾، حَكاهُ القاضِي أبُو يَعْلى. (p-٤٤٤)والسّادِسُ: أنَّهُ يَعُودُ إلى الأمْنِ والخَوْفِ، فَأمّا الدُّخُولُ، فَلا شَكَّ فِيهِ، حَكاهُ الثَّعْلَبِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿آمِنِينَ﴾ مِنَ العَدُوِّ ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكم ومُقَصِّرِينَ﴾ مِنَ الشَّعْرِ ﴿لا تَخافُونَ﴾ عَدُوًّا. ﴿فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: عَلِمَ أنَّ الصَّلاحَ في الصُّلْحِ. والثّانِي: أنَّ في تَأْخِيرِ الدُّخُولِ صَلاحًا. والثّالِثُ: فَعَلِمَ أنْ يَفْتَحَ عَلَيْكم خَيْبَرَ قَبْلَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: فَتْحُ خَيْبَرَ، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ عَطاءٌ، وابْنُ زَيْدٍ، ومُقاتِلٌ. والثّانِي: صُلْحُ الحُدَيْبِيَةِ، قالَهُ مُجاهِدٌ، والزُّهْرِيُّ، وابْنُ إسْحاقَ. وقَدْ بَيَّنّا كَيْفَ كانَ فَتْحًا في أوَّلِ السُّورَةِ. وَما بَعْدَ هَذا مُفَسَّرٌ في [بَراءَةٍ: ٣٣] إلى قَوْلِهِ: ﴿وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ وفِيهِ قَوْلانِ. (p-٤٤٥)أحَدُهُما: أنَّهُ شَهِدَ لَهُ عَلى نَفْسِهِ أنَّهُ يُظْهِرُهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّانِي: كَفى بِهِ شَهِيدًا أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ، قالَهُ مُقاتِلٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب