الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ ما كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ أيْ: ما أنا بِأوَّلِ رَسُولٍ. والبِدْعُ والبَدِيعُ مِن كُلِّ شَيْءٍ: المُبْتَدَأُ ﴿وَما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ﴾ وقَرَأ ابْنُ يَعْمَرَ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "ما يَفْعَلُ" بِفَتْحِ الياءِ. ثُمَّ فِيهِ قَوْلانِ.
(p-٣٧٢)أحَدُهُما: أنَّهُ أرادَ بِذَلِكَ ما يَكُونُ في الدُّنْيا. ثُمَّ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: « [أنَّهُ] لَمّا اشْتَدَّ البَلاءُ بِأصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، رَأى في المَنامِ أنَّهُ هاجَرَ إلى أرْضِ ذاتِ نَخْلٍ وشَجَرٍ وماءٍ، فَقَصَّها عَلى أصْحابِهِ، فاسْتَبْشَرُوا بِذَلِكَ لِما يَلْقَوْنَ مِن أذى المُشْرِكِينَ. ثُمَّ إنَّهم مَكَثُوا بُرْهَةً لا يَرَوْنَ ذَلِكَ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ مَتى تُهاجِرُ إلى الأرْضِ الَّتِي رَأيْتَ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ﴾»، يَعْنِي لا أدْرِي، أخْرُجُ إلى المَوْضِعِ الَّذِي رَأيْتُهُ في مَنامِي أمْ لا؟ ثُمَّ قالَ: "إنَّما هو شَيْءٌ رَأيْتُهُ في مَنامِي، وما ( اتبعْ إلّا ما يُوحى إلَيَّ ) "، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وكَذَلِكَ قالَ عَطِيَّةُ: ما أدْرِي هَلْ يَتْرُكُنِي بِمَكَّةَ أوْ يُخْرِجُنِي مِنها.
والثّانِي: ما أدْرِي هَلْ أُخْرَجُ كَما أُخْرِجُ الأنْبِياءُ قَبْلِي، أوْ أُقْتَلُ كَما قُتِلُوا، ولا أدْرِي ما يُفْعَلُ بِكُمْ، أتُعَذَّبُونَ أمْ تُؤَخَّرُونَ؟ أتُصَدَّقُونَ أمْ تُكَذَّبُونَ؟ قالَهُ الحَسَنُ
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ أرادَ ما يَكُونُ في الآخِرَةِ. رَوى ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ (p-٣٧٣)ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، نَزَلَ بَعْدَها ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ﴾ [الفَتْحِ: ٢] وقالَ: ﴿لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ. . .﴾ الآيَةُ [الفَتْحِ: ٥] فَأُعْلِمَ ما يُفْعَلُ بِهِ وبِالمُؤْمِنِينَ. وقِيلَ: إنَّ المُشْرِكِينَ فَرِحُوا عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ وقالُوا: ما أمْرُنا وأمْرُ مُحَمَّدٍ إلّا واحِدٌ، ولَوْلا أنَّهُ ابْتَدَعَ ما يَقُولُهُ لِأخْبَرَهُ الَّذِي بَعَثَهُ بِما يُفْعَلُ بِهِ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ. . .﴾ الآيَةُ [الفَتْحِ: ٢]، فَقالَ الصَّحابَةُ: هَنِيئًا لَكَ يا رَسُولَ اللَّهِ، فَماذا يُفْعَلُ بِنا؟ فَنَزَلَتْ: ﴿لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ. . .﴾ الآيَةُ [الفَتْحِ: ٥]؛ ومِمَّنْ ذَهَبَ إلى هَذا القَوْلِ أنَسٌ، وعِكْرِمَةُ، وقَتادَةَ. ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ كانَ مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي القُرْآنَ ﴿وَكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ﴾ وفِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةَ، والضَّحّاكُ، وابْنُ زَيْدٍ.
والثّانِي: أنَّهُ مُوسى بْنُ عِمْرانَ عَلَيْهِ السَّلامُ، قالَهُ الشَّعْبِيُّ، ومَسْرُوقٌ.
فَعَلى القَوْلِ الأوَّلِ يَكُونُ ذِكْرُ المَثَلِ صِلَةً، فَيَكُونُ المَعْنى: وشَهِدَ شاهِدٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ عَلَيْهِ، أيْ: عَلى أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ، ﴿فَآمَنَ﴾ الشّاهِدُ، وهو ابْنُ سَلامٍ ﴿واسْتَكْبَرْتُمْ﴾ يا مَعْشَرَ اليَهُودِ.
وَعَلى الثّانِي يَكُونُ المَعْنى: وشَهِدَ مُوسى عَلى التَّوْراةِ الَّتِي هي مِثْلُ القُرْآنِ (p-٣٧٤)أنَّها مِن عِنْدِ اللَّهِ، كَما شَهِدَ مُحَمَّدٌ عَلى القُرْآنِ أنَّهُ كَلامُ اللَّهِ، "فَآمَنَ" مَن آمَنَ بِمُوسى والتَّوْراةِ "واسْتَكْبَرْتُمْ" أنْتُمْ يا مَعْشَرَ العَرَبِ أنْ تُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ والقُرْآنِ.
فَإنْ قِيلَ: أيْنَ جَوابُ "إنْ"؟ قِيلَ: هو مُضْمَرٌ؛ وفي تَقْدِيرِهِ سِتَّةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ جَوابَهُ: فَمَن أضَلُّ مِنكُمْ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّانِي: أنَّ تَقْدِيرَ الكَلامِ: وشَهِدَ شاهِدٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ، أتُؤْمِنُونَ؟ قالَهُ الزَّجّاجُ. والثّالِثُ: أنَّ تَقْدِيرَهُ: أتَأْمَنُونَ عُقُوبَةَ اللَّهِ؟ قالَهُ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ. والرّابِعُ: أنَّ تَقْدِيرَهُ: أفَما تَهْلَكُونَ؟ ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. والخامِسُ: مَنِ المُحِقُّ مِنّا ومِنكم ومَنِ المُبْطِلُ؟ ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. والسّادِسُ: أنَّ تَقْدِيرَهُ: ألَيْسَ قَدْ ظَلَمْتُمْ؟ ويَدُلُّ عَلى هَذا المَحْذُوفِ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾، ذَكَرَهُ الواحِدِيُّ.
{"ayahs_start":9,"ayahs":["قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعࣰا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَاۤ أَدۡرِی مَا یُفۡعَلُ بِی وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا یُوحَىٰۤ إِلَیَّ وَمَاۤ أَنَا۠ إِلَّا نَذِیرࣱ مُّبِینࣱ","قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدࣱ مِّنۢ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"],"ayah":"قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعࣰا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَاۤ أَدۡرِی مَا یُفۡعَلُ بِی وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا یُوحَىٰۤ إِلَیَّ وَمَاۤ أَنَا۠ إِلَّا نَذِیرࣱ مُّبِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











