الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واذْكُرْ أخا عادٍ﴾ يَعْنِي هُودًا ﴿إذْ أنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقافِ﴾ قالَ الخَلِيلُ: الأحْقافُ: الرِّمالُ العِظامُ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: واحِدُ الأحْقافِ: حِقْفٌ، وهو مِنَ الرَّمْلِ: ما أشْرَفَ مِن كُثْبانِهِ واسْتَطالَ وانْحَنى. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هو ما اسْتَطالَ مِنَ الرَّمْلِ ولَمْ يَبْلُغْ أنْ يَكُونَ جَبَلًا. واخْتَلَفُوا في المَكانِ الَّذِي سُمِّيَ بِهَذا الِاسْمِ عَلى ثَلاثَةِ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ جَبَلٌ بِالشّامِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَّحّاكُ. (p-٣٨٤)والثّانِي: أنَّهُ وادٍ، ذَكَرَهُ عَطِيَّةُ. وقالَ مُجاهِدٌ: هي أرْضٌ. وحَكى ابْنُ جَرِيرٍ: أنَّهُ وادٍ بَيْنَ عُمانَ ومَهْرَةَ. وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: كانُوا يَنْزِلُونَ ما بَيْنَ عُمانَ وحَضْرَمَوْتَ، واليَمَنَ كُلَّهُ. والثّالِثُ: أنَّ الأحْقافَ: رِمالٌ مُشْرِفَةٌ عَلى البَحْرِ بِأرْضٍ يُقالُ لَها: الشِّحْرُ، قالَهُ قَتادَةُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ﴾ أيْ: قَدْ مَضَتِ الرُّسُلُ مِن قَبْلِ هُودٍ ومِن بَعْدِهِ بِإنْذارِ أُمَمِها ﴿ألا تَعْبُدُوا إلا اللَّهَ﴾؛ والمَعْنى: لَمْ يُبْعَثْ رَسُولٌ قَبْلَ هُودٍ ولا بَعْدَهُ إلّا بِالأمْرِ بِعِبادَةِ اللَّهِ وحْدَهُ. وهَذا كَلامٌ اعْتُرِضَ بَيْنَ إنْذارِ هُودٍ وكَلامِهِ لِقَوْمِهِ. ثُمَّ عادَ إلى كَلامِ هُودٍ فَقالَ: ﴿إنِّي أخافُ عَلَيْكُمْ﴾ . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِتَأْفِكَنا﴾ أيْ: لِتَصْرِفَنا عَنْ عِبادَةِ آلِهَتِنا بِالإفْكِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما العِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيْ: هو يَعْلَمُ مَتى يَأْتِيكُمُ العَذابُ. ﴿فَلَمّا رَأوْهُ﴾ يَعْنِي ما يُوعَدُونَ في قَوْلِهِ: "بِما تَعِدُنا" ﴿عارِضًا﴾ أيْ: سَحابٌ يَعْرِضُ مِن ناحِيَةِ السَّماءِ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: العارِضُ: السَّحابُ. قالَ المُفَسِّرُونَ: كانَ المَطَرُ قَدْ حُبِسَ عَنْ عادٍ، فَساقَ اللَّهُ إلَيْهِمْ سَحابَةً سَوْداءَ، فَلَمّا رَأوْها فَرِحُوا و﴿قالُوا هَذا عارِضٌ مُمْطِرُنا﴾، فَقالَ لَهم هُودٌ: ﴿بَلْ هو ما اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ﴾، ثُمَّ بَيَّنَ ما هو فَقالَ: ﴿رِيحٌ فِيها عَذابٌ ألِيمٌ﴾، فَنَشَأتِ الرِّيحُ مِن تِلْكَ السَّحابَةِ، ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ﴾ أيْ: تُهْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ مَرَّتْ بِهِ مِنَ النّاسِ والدَّوابِّ والأمْوالِ. قالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: لَقَدْ كانَتِ الرِّيحُ تَحْتَمِلُ الظَّعِينَةَ فَتَرْفَعُها حَتّى تُرى كَأنَّها جَرادَةٌ، ﴿فَأصْبَحُوا﴾ يَعْنِي عادًا ﴿لا يُرى إلا مَساكِنُهُمْ﴾ (p-٣٨٥)قَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ: "لا يُرى" بِرَفْعِ الياءِ "إلّا مَساكِنُهُمْ" بِرَفْعِ النُّونِ. وقَرَأ عَلِيٌّ، وأبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، والحَسَنُ، وقَتادَةَ، والجَحْدَرِيُّ: "لا تُرى" بِتاءٍ مَضْمُومَةٍ. وقَرَأ أبُو عِمْرانَ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ: "لا تَرى" بِتاءٍ مَفْتُوحَةٍ. "إلّا مَسْكَنَهُمْ" عَلى التَّوْحِيدِ. وهَذا لِأنَّ السُّكّانَ هَلَكُوا، فَقِيلَ: أصْبَحُوا وقَدْ غَطَّتْهُمُ الرِّيحُ بِالرَّمْلِ فَلا يُرَوْنَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب