الباحث القرآني

(p-٣٦٨)سُورَةُ الأحْقافِ * فَصْلٌ في نُزُولِها رَوى العَوْفِيُّ وابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها مَكِّيَّةٌ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، وقَتادَةَ، والجُمْهُورُ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ أنَّهُما قالا: فِيها آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ، وهي قَوْلُهُ: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ كانَ مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ [الأحْقافِ: ١٠] . وقالَ مُقاتِلٌ: نَزَلَتْ بِمَكَّةَ غَيْرَ آيَتَيْنِ: قَوْلُهُ: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ كانَ مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ [الأحْقافِ: ١٠] وقَوْلُهُ: ﴿فاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحْقافِ: ٣٥] نَزَلَتا بِالمَدِينَةِ. وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ فاتِحَتِها [المُؤْمِنِ، الحِجْرِ: ٨٥] (p-٣٦٩)إلى قَوْلِهِ: ﴿وَأجَلٍ مُسَمًّى﴾ وهو أجَلُ فَناءِ السَّمَواتِ والأرْضِ، وهو يَوْمُ القِيامَةِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ﴾ مُفَسَّرٌ في [فاطِرٍ: ٤٠] إلى قَوْلِهِ: ﴿ائْتُونِي بِكِتابٍ﴾، وفي الآيَةِ اخْتِصارٌ، تَقْدِيرُهُ: فَإنِ ادَّعَوْا أنَّ شَيْئًا مِنَ المَخْلُوقاتِ صَنْعَةُ آلِهَتِهِمْ، فَقُلْ لَهُمُ: ائْتُونِي بِكِتابٍ ﴿مِن قَبْلِ هَذا﴾ أيْ: مِن قَبْلِ القُرْآنِ فِيهِ بُرْهانُ ما تَدَّعُونَ مِن أنَّ الأصْنامَ شُرَكاءُ اللَّهِ، ﴿أوْ أثارَةٍ مِن عِلْمٍ﴾ وفِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ الشَّيْءُ يُثِيرُهُ مُسْتَخْرِجُهُ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّانِي: بَقِيَّةٌ مِن عِلْمٍ تُؤْثَرُ عَنِ الأوَّلِينَ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وإلى نَحْوِهِ ذَهَبُ الفَرّاءُ، وأبُو عُبَيْدَةَ. والثّالِثُ: عَلامَةٌ مَن عِلْمٍ، قالَهُ الزَّجّاجُ. وَقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو رَزِينٍ، وأيُّوبَ السِّخْتِيانِيُّ، ويَعْقُوبُ: "أثَرَةٌ" بِفَتْحِ الثّاءِ، مِثْلُ شَجَرَةٍ. ثُمَّ ذَكَرُوا في مَعْناها ثَلاثَةَ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ الخَطُّ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ؛ وقالَ: هو خَطٌّ كانَتِ العَرَبُ تَخُطُّهُ في الأرْضِ، قالَ أبُو بَكْرِ بْنِ عَيّاشٍ: الخَطُّ هو العِيافَةُ. والثّانِي: أوْ عِلْمٌ تَأْثُرُونَهُ عَنْ غَيْرِكُمْ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّالِثُ: خاصَّةٌ مِن عِلْمٍ، قالَهُ قَتادَةُ. وَقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وأبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، والحَسَنُ، وقَتادَةَ، والضَّحّاكُ، وابْنُ يَعَمَرَ: "أثْرَةٌ" بِسُكُونِ الثّاءِ مِن غَيْرِ ألِفٍ بِوَزْنِ نَظْرَةٍ. (p-٣٧٠)وَقالَ الفَرّاءُ: قُرِئَتْ "أثارَةٌ" و "أثَرَةٌ"، وهي لُغاتٌ، ومَعْنى الكُلِّ: بَقِيَّةٌ مِن عِلْمٍ، ويُقالُ: أوْ شَيْءٌ مَأْثُورٌ مِن كُتُبِ الأوَّلِينَ، فَمَن قَرَأ "أثارَةٌ" فَهو المَصْدَرُ، مِثْلُ قَوْلِكَ: السَّماحَةُ والشَّجاعَةُ، ومَن قَرَأ "أثَرَةٌ" فَإنَّهُ بَناهُ عَلى الأثَرِ، كَما قِيلَ: قَتَرَةٌ، ومَن قَرَأ "أثْرَةٌ" فَكَأنَّهُ أرادَ مِثْلَ قَوْلِهِ: "الخَطْفَةَ" [الصّافّاتِ: ١٠] و "الرَّجْفَةُ" [الأعْرافِ: ٧٨] . وَقالَ اليَزِيدِيُّ: الأثارَةُ: البَقِيَّةُ؛ والأثَرَةُ، مَصْدَرُ أثَرَهُ يَأْثُرُهُ، أيْ: يَذْكُرُهُ ويَرْوِيهِ، ومِنهُ: حَدِيثٌ مَأْثُورٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب