الباحث القرآني

(p-٣٦٢)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ﴾ قَدْ شَرَحْناهُ في [الفُرْقانِ: ٤٣] . وقالَ مُقاتِلٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في الحارِثِ بْنِ قَيْسٍ السَّهْمِيِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ﴾ أيْ: عَلى عِلْمِهِ السّابِقِ فِيهِ أنَّهُ (p-٣٦٣)لا يَهْتَدِي ﴿وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ﴾ أيْ: طَبَعَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْمَعِ الهُدى "وَ" عَلى " قَلْبه " فَلَمْ يَعْقِلِ الهُدى. وقَدْ ذَكَرْنا الغِشاوَةَ والخَتْمَ في [البَقَرَةِ: ٧] . ﴿فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ﴾؟! أيْ: مِن بَعْدِ إضْلالِهِ إيّاهُ ﴿أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ فَتَعْرِفُوا قُدْرَتَهُ عَلى ما يَشاءُ؟! . وما بَعْدَ [هَذا] مُفَسَّرٌ في سُورَةِ [المُؤْمِنُونَ: ٣٧] إلى قَوْلِهِ: ﴿وَما يُهْلِكُنا إلا الدَّهْرُ﴾ أيِ: اخْتِلافُ اللَّيْلِ والنَّهارِ ﴿وَما لَهم بِذَلِكَ مِن عِلْمٍ﴾ أيْ: ما قالُوهُ عَنْ عِلْمٍ، إنَّما قالُوهُ شاكِّينَ فِيهِ. ومِن أجْلِ هَذا قالَ نَبِيُّنا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: « "لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإنَّ اللَّهَ هو الدَّهْرُ"،» أيْ: هو الَّذِي يُهْلِكُكُمْ، لا ما تَتَوَهَّمُونَهُ مِن مُرُورِ الزَّمانِ. وما بَعْدَ هَذا ظاهِرٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ [البَقَرَةِ: ٢٨، الشُّورى: ٧] إلى قَوْلِهِ: ﴿يَخْسَرُ المُبْطِلُونَ﴾ يَعْنِي المُكَذِّبِينَ الكافِرِينَ أصْحابَ الأباطِيلِ؛ (p-٣٦٤)والمَعْنى: يَظْهَرُ خُسْرانُهم يَوْمَئِذٍ. ﴿وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ﴾ قالَ الفَرّاءُ: تَرى أهْلَ كُلِّ دِينٍ ﴿جاثِيَةً﴾ قالَ الزَّجّاجُ: أيْ: جالِسَةٌ عَلى الرُّكَبِ، يُقالُ: قَدْ جَثا فُلانٌ جُثُوًّا: إذا جَلَسَ عَلى رُكْبَتَيْهِ، ومِثْلُهُ: جَذا يَجْذُو. والجُذُوُّ أشَدُّ اسْتِيفازًا مِنَ الجُثُوِّ، لِأنَّ الجُذُوَّ: أنْ يَجْلِسَ صاحِبُهُ عَلى أطْرافِ أصابِعِهِ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: والمَعْنى أنَّها غَيْرُ مُطْمَئِنَّةٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إلى كِتابِها﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ كِتابُها الَّذِي فِيهِ حَسَناتُها وسَيِّئاتُها، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ حِسابُها، قالَهُ الشَّعْبِيُّ، والفَرّاءُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ. والثّالِثُ: كِتابُها الَّذِي أُنْزِلَ عَلى رَسُولِهِ، حَكاهُ الماوَرْدِيُّ. وَيُقالُ لَهُمْ: ﴿اليَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ . ﴿هَذا كِتابُنا﴾ وفِيهِ ثَلاثَةُ أقْوال. أحَدُها: أنَّهُ كِتابُ الأعْمالِ الَّذِي تَكْتُبُهُ الحَفَظَةُ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. والثّانِي: اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّالِثُ: القُرْآنُ، والمَعْنى أنَّهم يَقْرَؤُونَهُ فَيَدُلُّهم ويُذَكِّرُهُمْ، فَكَأنَّهُ يَنْطِقُ عَلَيْهِمْ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. (p-٣٦٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أيْ: نَأْمُرُ المَلائِكَةَ بِنَسْخِ أعْمالِكُمْ، أيْ: بِكَتْبِها وإثْباتِها. وأكْثَرُ المُفَسِّرِينَ عَلى أنَّ هَذا الِاسْتِنْساخَ، مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، تَسْتَنْسِخُ المَلائِكَةُ كُلَّ عامٍ ما يَكُونُ مِن أعْمالِ بَنِي آدَمَ، فَيَجِدُونَ ذَلِكَ مُوافِقًا ما يَعْمَلُونَهُ. قالُوا: والِاسْتِنْساخُ لا يَكُونُ إلّا مِن أصْلٍ. قالَ الفَرّاءُ: يَرْفَعُ المَلَكانِ العَمَلَ كُلَّهُ، فَيُثْبِتُ اللَّهُ مِنهُ ما فِيهِ ثَوابٌ أوْ عِقابٌ، ويَطْرَحُ مِنهُ اللَّغْوَ. وقالَ الزَّجّاجُ: نَسْتَنْسِخُ ما تَكْتُبُهُ الحَفَظَةُ، ويَثْبُتُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي رَحْمَتِهِ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: في جَنَّتِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَلَمْ تَكُنْ آياتِي﴾ فِيهِ إضْمارٌ، تَقْدِيرُهُ: فَيُقالُ لَهم ألَمْ تَكُنْ آياتِي، يَعْنِي آياتِ القُرْآنِ ﴿تُتْلى عَلَيْكم فاسْتَكْبَرْتُمْ﴾ عَنِ الإيمانِ بِها ﴿وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾؟! قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كافِرِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب