الباحث القرآني

(p-٣٣٩)﴿فارْتَقِبْ﴾ أيْ: فانْتَظِرَ ﴿يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ﴾ اخْتَلَفُوا في هَذا الدُّخانِ ووَقْتِهِ عَلى ثَلاثَةِ أقْوالٍ. أحَدُها: [أنَّهُ] دُخانٌ يَجِيءُ قَبْلَ قِيامِ السّاعَةِ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "إنَّ الدُّخانَ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ بِأنْفاسِ الكُفّارِ، ويَأْخُذُ المُؤْمِنِينَ مِنهُ كَهَيْئَةِ الزُّكامِ.» ورَوى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي مَلِيكَةَ قالَ: غَدَوْتُ عَلى ابْنِ عَبّاسٍ ذاتَ يَوْمٍ، فَقالَ: ما نِمْتُ اللَّيْلَةَ حَتّى أصْبَحْتُ، قُلْتُ: لِمَ؟ قالَ: طَلَعَ الكَوْكَبُ ذُو الذَّنَبِ، فَخَشِيتُ أنْ يَطْرُقَ الدُّخانُ، وهَذا المَعْنى مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ، وابْنِ عُمَرَ، وأبِي هُرَيْرَةَ، والحَسَنِ. (p-٣٤٠)والثّانِي: أنَّ قُرَيْشًا أصابَهم جُوعٌ، فَكانُوا يَرَوْنَ بَيْنَهم وبَيْنَ السَّماءِ دُخانًا مِنَ الجُوعِ؛ فَرَوى البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ في "الصَّحِيحَيْنِ" مِن حَدِيثِ مَسْرُوقٍ، قالَ: «كُنّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنا رَجُلٌ، فَقالَ: جِئْتُكَ مِنَ المَسْجِدِ وتَرَكْتُ رَجُلًا يَقُولُ في هَذِهِ [الآيَةِ] "يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ": يَغْشاهم يَوْمَ القِيامَةِ دُخانٌ يَأْخُذُ بِأنْفاسِهِمْ حَتّى يُصِيبَهم مِنهُ كَهَيْئَةِ الزُّكامِ؛ فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَن عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، ومَن لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللَّهُ أعْلَمُ، إنَّما كانَ [هَذا] لِأنَّ قُرَيْشًا لَمّا اسْتَعْصَتْ عَلى النَّبِيِّ ﷺ دَعا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأصابَهم قَحْطٌ وجَهْدٌ، حَتّى أكَلُوا العِظامَ والمَيْتَةَ، وجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إلى السَّماءِ فَيَرى ما بَيْنَهُ وبَيْنَها كَهَيْئَةِ الدُّخانِ مِنَ الجَهْدِ، فَقالُوا: ﴿رَبَّنا اكْشِفْ عَنّا العَذابَ إنّا مُؤْمِنُونَ﴾، (p-٣٤١)فَقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنّا كاشِفُو العَذابِ قَلِيلا إنَّكم عائِدُونَ﴾، فَكَشَفَ عَنْهُمْ، ثُمَّ عادُوا إلى الكُفْرِ، فَأُخِذُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرى﴾»، وإلى نَحْوِ هَذا ذَهَبُ مُجاهِدٌ، وأبُو العالِيَةِ، والضَّحّاكُ، وابْنُ السّائِبِ، ومُقاتِلٌ. والثّالِثُ: أنَّهُ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ لَمّا حُجِبَتِ السَّماءُ بِالغَبْرَةِ، حَكاهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَذا عَذابٌ﴾ أيْ: يَقُولُونَ: هَذا عَذابٌ. ﴿رَبَّنا اكْشِفْ عَنّا العَذابَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: الجُوعُ. والثّانِي: الدُّخانُ ﴿إنّا مُؤْمِنُونَ﴾ بِمُحَمَّدٍ ﷺ والقُرْآنِ. ﴿أنّى لَهُمُ الذِّكْرى﴾ أيْ: مِن أيْنَ لَهُمُ التَّذَكُّرُ والِاتِّعاظُ بَعْدَ نُزُولِ هَذا البَلاءِ، "وَ" حالُهم أنَّهُ " قَدّ جاءَهم رَسُولٌ مُبِينٌ " أيْ: ظاهِرُ الصِّدْقِ؟! ﴿ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ﴾ أيْ: أعْرَضُوا ولَمْ يَقْبَلُوا قَوْلَهُ: ﴿وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ﴾ أيْ: هو مُعَلَّمٌ يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ مَجْنُونٌ بِادِّعائِهِ النُّبُوَّةَ؛ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنّا كاشِفُو العَذابِ قَلِيلا﴾ أيْ: زَمانًا يَسِيرًا. وفي العَذابِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: الضُّرُّ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ كُشِفَ بِالخِصْبِ، هَذا عَلى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قالَ مُقاتِلٌ: كَشَفَهُ إلى يَوْمِ بَدْرٍ. والثّانِي: أنَّهُ الدُّخانُ، قالَهُ قَتادَةُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّكم عائِدُونَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: إلى الشِّرْكِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. والثّانِي: إلى عَذابِ اللَّهِ، قالَهُ قَتادَةُ. (p-٣٤٢)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرى﴾ وقَرَأ الحَسَنُ، وابْنُ يَعْمَرَ، وأبُو عِمْرانَ: "يَوْمَ تُبْطَشُ" بِتاءٍ مَرْفُوعَةٍ وفَتْحِ الطّاءِ "البَطْشَةُ" بِالرَّفْعِ. قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: واذْكُرْ يَوْمَ نَبْطِشُ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا بِقَوْلِهِ: "مُنْتَقِمُونَ"، لِأنَّ ما بَعْدَ "إنّا" لا يَجُوزُ أنْ يَعْمَلَ فِيما قَبْلَها. وَفِي هَذا اليَوْمِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: يَوْمُ بَدْرٍ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وأبُو هُرَيْرَةَ، وأبُو العالِيَةِ، ومُجاهِدٌ، والضَّحّاكُ. والثّانِي: يَوْمُ القِيامَةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ. والبَطْشُ: الأخْذُ بِقُوَّةٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب