الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلُوا المَلائِكَةَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: الجَعْلُ هاهُنا بِمَعْنى القَوْلِ والحُكْمِ عَلى الشَّيْءِ، تَقُولُ: قَدْ جَعَلْتُ زَيْدًا أعْلَمَ النّاسِ، أيْ: قَدْ وصَفْتُهُ بِذَلِكَ وحَكَمْتُ بِهِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: وجَعْلُهُمُ المَلائِكَةَ إناثًا قَوْلُهُمْ: هُنَّ بَناتُ اللَّهِ. (p-٣٠٧)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ هم عِبادُ الرَّحْمَنِ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، ويَعْقُوبُ، وأبانُ عَنْ عاصِمٍ، والشَّيْزَرِيُّ عَنِ الكِسائِيِّ: "عِنْدَ الرَّحْمَنِ" بِنُونٍ مِن غَيْرِ ألِفٍ وقَرَأ الباقُونَ: "عِبادُ الرَّحْمَنِ"، ومَعْنى هَذِهِ القِراءَةِ: جَعَلُوا لَهُ مِن عِبادِهِ بَناتٍ. والقِراءَةُ الأُولى مُوافِقَةً لِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [الأعْرافِ: ٢٠٦]، وإذا كانُوا في السَّماءِ كانَ أبْعَدَ لِلْعِلْمِ بِحالِهِمْ. ﴿أشَهِدُوا خَلْقَهُمْ﴾؟ قَرَأ نافِعٌ، والمُفَضَّلُ عَنْ عاصِمٍ: "أأُشْهِدُوا" بِهَمْزَتَيْنِ، الأُولى مَفْتُوحَةٌ والثّانِيَةُ مَضْمُومَةٌ. ورَوى المُسَيَّبِيُّ عَنْ نافِعٍ: "أوُ شْهِدُوا" مَمْدُودَةً مَن أشْهَدْتُ، والباقُونَ لا يَمُدُّونَ. "أشْهِدُوا" مَن شَهِدْتُ، أيْ: أحَضَرُوهُ فَعَرَفُوا أنَّهم إناثٌ؟! وهَذا تَوْبِيخٌ لَهم إذْ قالُوا فِيما يُعْلَمُ بِالمُشاهَدَةِ مِن غَيْرِ مُشاهَدَةٍ. ﴿سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ﴾ عَلى المَلائِكَةِ أنَّها بَناتُ اللَّهِ وقالَ مُقاتِلٌ: لَمّا قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿أشَهِدُوا خَلْقَهُمْ؟﴾، سُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ فَقالُوا: [لا]، «فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: "فَما يُدْرِيكم أنَّها إناثٌ؟" فَقالُوا: سَمِعْنا مِن آبائِنا، ونَحْنُ نَشْهَدُ أنَّهم لَمْ يَكْذِبُوا، فَقالَ اللَّهُ: ﴿سَتُكْتَبُ شَهادَتُهم ويُسْألُونَ﴾ عَنْها في الآخِرَةِ.» وقَرَأ أبُو رَزِينٍ، ومُجاهِدٌ: "سَنَكْتُبُ" بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ "شَهادَتَهُمْ" بِنَصْبِ التّاءِ، ووافَقَهُمُ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ في "سَنَكْتُبُ" وقَرَأ: "شَهاداتِهِمْ" بِألِفٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمَنُ ما عَبَدْناهُمْ﴾ في المَكْنِيِّ عَنْهم قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُمُ المَلائِكَةُ، قالَهُ قَتادَةُ، ومُقاتِلٌ في آخَرِينَ. والثّانِي: الأوْثانُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. وإنَّما عَنَوْا بِهَذا أنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْضَ عِبادَتَنا لَها لَعَجَّلَ عُقُوبَتَنا، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلَهم بِقَوْلِهِ: ﴿ما لَهم بِذَلِكَ مِن عِلْمٍ﴾ . وبَعْضُ المُفَسِّرِينَ يَقُولُ: إنَّما أشارَ بِقَوْلِهِ: (p-٣٠٨)﴿ما لَهم بِذَلِكَ مِن عِلْمٍ﴾ إلى ادِّعائِهِمْ أنَّ المَلائِكَةَ إناثٌ؛ قالَ: ولَمْ يَتَعَرَّضْ لِقَوْلِهِمْ: ﴿لَوْ شاءَ الرَّحْمَنُ ما عَبَدْناهُمْ﴾ لِأنَّهُ قَوْلٌ صَحِيحٌ؛ والَّذِي اعْتَمَدْنا عَلَيْهِ أصَحُّ، لِأنَّ هَذِهِ الآيَةَ كَقَوْلِهِ: ﴿لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أشْرَكْنا﴾ [الأنْعامِ: ١٤٨]، وقَوْلِهِ: ﴿أنُطْعِمُ مَن لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أطْعَمَهُ﴾ [يس: ٤٧٠] وقَدْ كَشَفْنا عَنْ هَذا المَعْنى هُنالِكَ. و "يَخْرُصُونَ" بِمَعْنى: يَكْذِبُونَ. وإنَّما كَذَّبَهُمْ، لِأنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أنَّهُ رَضِيَ مِنهُمُ الكُفْرَ دِينًا. ﴿أمْ آتَيْناهم كِتابًا مِن قَبْلِهِ﴾ أيْ: مِن قَبْلِ هَذا القُرْآنِ، أيْ: بِأنْ يَعْبُدُوا غَيْرَ اللَّهِ ﴿فَهم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ﴾ يَأْخُذُونَ بِما فِيهِ. ﴿بَلْ قالُوا إنّا وجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ﴾ أيْ: عَلى سُنَّةٍ ومِلَّةٍ ودِينٍ ﴿وَإنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ فَجَعَلُوا أنْفُسَهم مُهْتَدِينَ بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الآباءِ مِن غَيْرِ حُجَّةٍ؛ ثُمَّ أخْبَرَ أنَّ غَيْرَهم قَدْ قالَ هَذا القَوْلَ، فَقالَ: ﴿وَكَذَلِكَ﴾ أيْ: وكَما قالُوا قالَ مُتْرَفُو القُرى مِن قَبْلِهِمْ، ﴿وَإنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ بِهِمْ. ( قُلْ أُولُو جِئْتُكم ) وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: "قالَ أوَلَوْ جِئْتُكُمْ" [بِألِفٍ] . قالَ أبُو عَلِيٍّ: فاعِلُ "قالَ" النَّذِيرُ، المَعْنى: فَقالَ لَهُمُ النَّذِيرُ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ: "أوْلَوْ جِئْناكُمْ" بِألِفٍ ونُونٍ ﴿بِأهْدى﴾ أيْ: بِأصْوَبَ وأرْشَدَ. (p-٣٠٩)قالَ الزَّجّاجُ: ومَعْنى الكَلامِ: قُلْ: أتَتَّبِعُونَ ما وجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكم وإنْ جِئْتُكم بِأهْدى مِنهُ؟! وفي هَذِهِ الآيَةِ إبْطالُ القَوْلِ بِالتَّقْلِيدِ. قالَ مُقاتِلٌ: فَرَدُّوا عَلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالُوا: ﴿إنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾؛ ثُمَّ رَجَعَ إلى الأُمَمِ الخالِيَةِ، فَقالَ: ﴿فانْتَقَمْنا مِنهم. . .﴾ الآيَةُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب