الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لَمّا دَخَلُوا النّارَ ﴿رَبَّنا أرِنا اللَّذَيْنِ أضَلانا﴾ وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: "أرْنا" بِسُكُونِ الرّاءِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: يَعْنُونَ إبْلِيسَ وقابِيلَ، لِأنَّهُما سَنّا المَعْصِيَةَ، ﴿نَجْعَلْهُما تَحْتَ أقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الأسْفَلِينَ﴾ أيْ: في الدَّرْكِ الأسْفَلِ، وهو أشَدُّ عَذابًا مِن غَيْرِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ المُؤْمِنِينَ فَقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنا اللَّهُ﴾ [أيْ: وحَّدُوهُ] ﴿ثُمَّ اسْتَقامُوا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. (p-٢٥٤)أحَدُها: اسْتَقامُوا عَلى التَّوْحِيدِ، قالَهُ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ومُجاهِدٌ. والثّانِي: عَلى طاعَةِ اللَّهِ وأداءِ فَرائِضِهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ. والثّالِثُ: عَلى الإخْلاصِ والعَمَلِ إلى المَوْتِ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ، والسُّدِّيُّ. وَرَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وذَلِكَ أنَّ المُشْرِكِينَ قالُوا: رَبُّنا اللَّهُ، والمَلائِكَةُ بَناتُهُ، وهَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ، فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا، وقالَتِ اليَهُودُ: رَبُّنا اللَّهُ، وعُزَيْرٌ ابْنُهُ، ومُحَمَّدٌ لَيْسَ بِنَبِيٍّ، فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا، وقالَتِ النَّصارى: رَبُّنا اللَّهُ، والمَسِيحُ ابْنُهُ، ومُحَمَّدٌ لَيْسَ بِنَبِيٍّ، فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا، وقالَ أبُو بَكْرٍ: رَبُّنا اللَّهُ وحْدَهُ، ومُحَمَّدٌ عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، فاسْتَقامَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ ألا تَخافُوا﴾ أيْ: بِأنْ لا تَخافُوا. وفي وقْتِ نُزُولِها عَلَيْهِمْ قَوْلانِ. أحَدُهُما: عِنْدَ المَوْتِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ؛ فَعَلى هَذا في مَعْنى "لا تَخافُوا" قَوْلانِ. أحَدُهُما: لا تَخافُوا المَوْتَ، ولا تَحْزَنُوا عَلى أوْلادِكُمْ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّانِي: لا تَخافُوا ما أمامَكُمْ، ولا تَحْزَنُوا عَلى ما خَلْفَكُمْ، قالَهُ عِكْرِمَةُ، والسُّدِّيُّ. والقَوْلُ الثّانِي: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ إذا قامُوا مِنَ القُبُورِ، قالَهُ قَتادَةُ؛ فَيَكُونُ مَعْنى "لا تَخافُوا": أنَّهم يُبَشِّرُونَهم بِزَوالِ الخَوْفِ والحُزْنِ يَوْمَ القِيامَةِ. (p-٢٥٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿نَحْنُ أوْلِياؤُكُمْ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: هَذا قَوْلُ المَلائِكَةِ لَهُمْ، والمَعْنى: نَحْنُ [الَّذِينَ] كُنّا نَتَوَلّاكم في الدُّنْيا، لِأنَّ المَلائِكَةَ تَتَوَلّى المُؤْمِنِينَ وتُحِبُّهم لِما تَرى مِن أعْمالِهِمُ المَرْفُوعَةِ إلى السَّماءِ، ﴿وَفِي الآخِرَةِ﴾ أيْ: ونَحْنُ مَعَكم في الآخِرَةِ لا نُفارِقُكم حَتّى تَدْخُلُوا الجَنَّةَ. وقالَ السُّدِّيُّ: هُمُ الحَفَظَةُ عَلى ابْنِ آدَمَ، فَلِذَلِكَ قالُوا: "نَحْنُ أوْلِياؤُكم في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ"؛ وقِيلَ: هُمُ المَلائِكَةُ الَّذِينَ يَأْتُونَ لِقَبْضِ الأرْواحِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَكم فِيها﴾ أيْ: في الجَنَّةِ. ﴿نُزُلا﴾ قالَ الزَّجّاجُ: مَعْناهُ: أبْشِرُوا بِالجَنَّةِ تَنْزِلُونَها [نُزُلًا] . وقالَ الأخْفَشُ: لَكم فِيها ما تَشْتَهِي أنْفُسُكم أنْزَلْناهُ نُزُلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب