الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أعْداءُ اللَّهِ﴾ وقَرَأ نافِعٌ: "نَحْشُرُ" بِالنُّونِ "أعْداءَ" بِالنَّصْبِ. (p-٢٥٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَهم يُوزَعُونَ﴾ أيْ: يُحْبَسُ أوَّلُهم عَلى آخِرِهِمْ لِيَتَلاحَقُوا. ﴿حَتّى إذا ما جاءُوها﴾ يَعْنِي النّارَ الَّتِي حُشِرُوا إلَيْها ﴿شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهم وأبْصارُهم وجُلُودُهُمْ﴾، وفي المُرادِ بِالجُلُودِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحُدُها: الأيْدِي والأرْجُلُ. والثّانِي: الفُرُوجُ، رُوِيا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّهُ الجُلُودُ نَفْسُها، حَكاهُ الماوَرْدِيُّ. وقَدْ أخْرَجَ مُسْلِمٌ في أفْرادِهِ مِن حَدِيثِ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: «كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَضَحِكَ فَقالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أضْحَكُ؟" قالَ: قُلْنا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ. قالَ: "مِن مُخاطَبَةِ العَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يارَبِّ ألَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قالَ: يَقُولُ: بَلى، قالَ: فَيَقُولُ: فَإنِّي لا أُجِيزُ عَلَيَّ إلّا شاهِدًا مِنِّي، قالَ: فَيَقُولُ: كَفى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وبِالكِرامِ الكاتِبِينَ شُهُودًا، قالَ: فَيَخْتِمُ عَلى فِيهِ، فَيُقالُ لِأرْكانِهِ: انْطِقِي، قالَ: فَتَنْطِقُ بِأعْمالِهِ، قالَ: ثُمَّ يُخْلّى بَيْنَهُ وبَيْنَ الكَلامِ، فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُناضِلُ" .» قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا أنْطَقَنا اللَّهُ الَّذِي أنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ أيْ: مِمّا نَطَقَ. وهاهُنا تَمَّ الكَلامُ. وما بَعْدَهُ لَيْسَ مِن جَوابِ الجُلُودِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكم سَمْعُكم ولا أبْصارُكُمْ﴾ رَوى البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ في "الصَّحِيحَيْنِ" مِن حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: «كُنْتُ مُسْتَتِرًا بِأسْتارِ الكَعْبَةِ، فَجاءَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ، قُرَشِيٌ وخَتْناهُ ثَقَفِيّانِ، أوْ ثَقَفِيٌّ وخَتْناهُ قُرَشِيّانِ، كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَتَكَلَّمُوا بِكَلامٍ لَمْ أسْمَعْهُ، (p-٢٥١)فَقالَ أحَدُهُمْ: أتُرَوْنَ اللَّهَ يَسْمَعُ كَلامَنا هَذا؟! فَقالَ الآخَرانِ: إنّا إذا رَفَعْنا أصْواتَنا سَمِعَهُ، وإنْ لَمْ نَرْفَعْ لَمْ يَسْمَعْ، وقالَ الآخَرُ: إنْ سَمِعَ مِنهُ شَيْئًا سَمِعَهُ كُلَّهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: "وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكم سَمْعُكم. . . . " إلى قَوْلِهِ: "مِنَ الخاسِرِينَ" .» ومَعْنى "تَسْتَتِرُونَ": تَسْتَخْفُونَ "أنْ يَشْهَدَ" أيْ: مِن أنْ يَشْهَدَ "عَلَيْكم سَمْعُكُمْ" لِأنَّكم لا تَقْدِرُونَ عَلى الِاسْتِخْفاءِ مِن جَوارِحِكُمْ، ولا تَظُنُّونَ أنَّها تَشْهَدُ ﴿وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمّا تَعْمَلُونَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَ الكُفّارُ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ ما في أنْفُسِنا، ولَكِنَّهُ يَعْلَمُ ما يَظْهَرُ، ﴿وَذَلِكم ظَنُّكُمُ﴾ أيْ: أنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ ما تَعْمَلُونَ، ﴿أرْداكُمْ﴾ أهْلَكَكم. ﴿فَإنْ يَصْبِرُوا﴾ أيْ: عَلى النّارِ، فَهي مَسْكَنُهُمْ، ﴿وَإنْ يَسْتَعْتِبُوا﴾ أيْ: يَسْألُوا أنْ يَرْجِعَ لَهم إلى ما يُحِبُّونَ، لَمْ يَرْجِعْ لَهُمْ، لِأنَّهم لا يَسْتَحِقُّونَ (p-٢٥٢)ذَلِكَ. يُقالُ: أعْتَبَنِي فَلانٌ، أيْ: أرْضانِي بَعْدَ إسْخاطِهِ إيّايَ. واسْتَعْتَبْتُهُ، أيْ: طَلَبْتُ مِنهُ أنْ يَعْتِبَ، أيْ: يَرْضى. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقَيَّضْنا لَهم قُرَناءَ﴾ أيْ: سَبَّبْنا لَهم قُرَناءَ مِنَ الشَّياطِينِ ﴿فَزَيَّنُوا لَهم ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ: مِن أمْرِ الآخِرَةِ أنَّهُ لا جَنَّةَ ولا نارَ ولا بَعْثَ ولا حِسابَ، وما خَلْفَهُمْ: مِن أمْرِ الدُّنْيا، فَزَيَّنُوا لَهُمُ اللَّذّاتِ وجَمْعَ الأمْوالِ وتَرْكَ الإنْفاقِ في الخَيْرِ. والثّانِي: ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ: مِن أمْرِ الدُّنْيا، وما خَلْفَهُمْ: مِن أمْرِ الآخِرَةِ، عَلى عَكْسِ الأوَّلِ. والثّالِثُ: ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ: ما فَعَلُوهُ، وما خَلْفَهُمْ: ما عَزَمُوا عَلى فِعْلِهِ. وباقِي الآيَةِ [قَدْ] تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ [الإسْراءِ: ١٦، الأعْرافِ: ٣٨] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب