الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿خَلَقَ الأرْضَ في يَوْمَيْنِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: في يَوْمِ الأحَدِ والِاثْنَيْنِ، وبِهِ قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، والسُّدِّيُّ، والأكْثَرُونَ. وقالَ مُقاتِلٌ: في يَوْمِ الثُّلاثاءِ والأرْبِعاءِ. وقَدْ أخْرَجَ مُسْلِمٌ في أفْرادِهِ مِن حَدِيثٍ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «أخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِي، فَقالَ: "خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وخَلَقَ الجِبالَ فِيها يَوْمَ الأحَدِ، وخَلَقَ الشَّجَرَ فِيها يَوْمَ الإثْنَيْنِ، وخَلَقَ المَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاثاءِ، وخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأرْبِعاءِ، وبَثَّ فِيها الدَّوابَّ "يَوْمَ الخَمِيسِ"،» وهَذا الحَدِيثُ يُخالِفُ ما تَقَدَّمَ، وهو أصَحُّ. (p-٢٤٤)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَتَجْعَلُونَ لَهُ أنْدادًا﴾ قَدْ شَرَحْناهُ في [البَقَرَةِ: ٢٢] و ﴿ذَلِكَ﴾ الَّذِي فَعَلَ ما ذُكِرَ ﴿رَبُّ العالَمِينَ﴾ . ﴿وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ﴾ أيْ: جِبالًا ثَوابِتَ مِن فَوْقِ الأرْضِ، ﴿وَبارَكَ فِيها﴾ بِالأشْجارِ والثِّمارِ والحُبُوبِ والأنْهارِ، وقِيلَ: البَرَكَةُ فِيها: أنْ يُنَمِّيَ فِيها الزَّرْعَ، فَتُخْرِجُ الحَبَّةُ حَبّاتٍ، والنَّواةُ نَخْلَةً ﴿وَقَدَّرَ فِيها أقْواتَها﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: هي جَمْعُ قُوتٍ، وهي الأرْزاقُ وما يُحْتاجُ إلَيْهِ. وَلِلْمُفَسِّرِينَ في هَذا التَّقْدِيرِ خَمْسَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ شَقَّقَ الأنْهارَ وغَرَسَ الأشْجارَ. قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ قَسَّمَ أرْزاقَ العِبادِ والبَهائِمِ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّالِثُ: أقْواتُها مِنَ المَطَرِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والرّابِعُ: قَدَّرَ لِكُلِّ بَلْدَةٍ ما لَمْ يَجْعَلْهُ في الأُخْرى كَما أنَّ ثِيابَ اليَمَنِ لا تَصْلُحُ إلّا بِـ "اليَمَنِ" والهَرَوِيَّةِ بِـ "هَراةٍ"، لِيَعِيشَ بَعْضُهم مِن بَعْضٍ بِالتِّجارَةِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ، والضَّحّاكُ. والخامِسُ: قَدَّرَ البُرَّ لِأهْلِ قُطْرٍ، والتَّمْرَ لِأهْلِ قُطْرٍ، والذُّرَةَ لِأهْلِ قُطْرٍ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي أرْبَعَةِ أيّامٍ﴾ أيْ: في تَتِمَّةِ أرْبَعَةِ أيّامٍ. قالَ الأخْفَشُ: ومْثُلُهُ [أنْ] تَقُولُ: تَزَوَّجْتُ أمْسِ امْرَأةً، واليَوْمَ ثِنْتَيْنِ، وإحْداهُما الَّتِي تَزَوَّجْتُها أمْسِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: يَعْنِي: الثُّلاثاءَ والأرْبِعاءَ، وهُما مَعَ الأحَدِ والإثْنَيْنِ أرْبَعَةُ أيّامٍ. (p-٢٤٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَواءً﴾ قَرَأ أبُو جَعْفَرٍ: "سَواءٌ" بِالرَّفْعِ. وقَرَأ يَعْقُوبُ، وعَبْدُ الوارِثِ: "سَواءٍ" بِالجَرِّ. وقَرَأ الباقُونَ مِنَ العَشْرَةِ: بِالنَّصْبِ. قالَ الزَّجّاجُ: مَن قَرَأ بِالخَفْضِ، جَعَلَ "سَواءً" مِن صِفَةِ الأيّامِ؛ فالمَعْنى: في أرْبَعَةِ أيّامٍ مُسْتَوِياتٍ تامّاتٍ؛ ومَن نَصَبَ، فَعَلى المَصْدَرِ؛ فالمَعْنى: اسْتَوَتْ سَواءً واسْتِواءً؛ ومَن رَفَعَ، فَعَلى مَعْنى: هي سَواءٌ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿لِلسّائِلِينَ﴾ وجْهانِ. أحَدُهُما: لِلسّائِلِينَ القُوتَ، لِأنَّ كُلًّا يَطْلُبُ القُوتَ ويَسْألُهُ. والثّانِي: لِمَن يَسْألُ: في كَمْ خُلِقَتِ الأرْضُ؟ فَيُقالُ: خُلِقَتْ في أرْبَعَةِ أيّامٍ سَواءً، لا زِيادَةَ ولا نُقْصانَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوى إلى السَّماءِ﴾ قَدْ شَرَحْناهُ في [البَقَرَةِ: ٢٩] ﴿وَهِيَ دُخانٌ﴾ وفِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ لَمّا خَلَقَ [الماءَ] أرْسَلَ عَلَيْهِ الرِّيحَ فَثارَ مِنهُ دُخانٌ فارْتَفَعَ وسَما، فَسَمّاهُ سَماءً. والثّانِي: أنَّهُ لَمّا خَلَقَ الأرْضَ أرْسَلَ عَلَيْها نارًا، فارْتَفَعَ مِنها دُخانٌ فَسَما. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقالَ لَها ولِلأرْضِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: قالَ لِلسَّماءِ: أظْهِرِي شَمْسَكِ وقَمَرَكِ ونُجُومَكِ، وقالَ لِلْأرْضِ: شَقِّقِي أنْهارَكِ، وأخْرِجِي ثِمارَكِ، ﴿طَوْعًا أوْ كَرْهًا قالَتا أتَيْنا طائِعِينَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: هو مَنصُوبٌ عَلى الحالِ، وإنَّما لَمْ يَقُلْ: طائِعاتٍ، لِأنَّهُنَّ جَرَيْنَ مَجْرى ما يَعْقِلُ ويُمَيِّزُ، كَما قالَ في النُّجُومِ: ﴿وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يَس: ٤٠]، قالَ: وقَدْ قِيلَ: أتَيْنا نَحْنُ ومَن فِينا طائِعِينَ. ﴿فَقَضاهُنَّ﴾ أيْ: خَلْقَهُنَّ وصُنْعَهُنَّ، قالَ أبُو ذَؤَيْبٍ الهُذَلِيُّ:(p-٢٤٦) ؎ وعَلَيْهِما مَسْرُودَتانِ قَضاهُما داوُدُ أوْ صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ مَعْناهُ: عَمِلَهُما وصَنَعَهُما. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: وهَما يَوْمُ الخَمِيسِ ويَوْمُ الجُمُعَةِ. وقالَ مُقاتِلٌ: الأحَدُ والِاثْنَيْنِ، لِأنَّ مَذْهَبَهُ أنَّها خُلِقَتْ قَبْلَ الأرْضِ. وقَدْ بَيَّنّا مِقْدارَ هَذِهِ الأيّامِ في [الأعْرافِ: ٥٤] . ﴿وَأوْحى في كُلِّ سَماءٍ أمْرَها﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أوْحى ما أرادَ، وأمَرَ بِما شاءَ، قالَهُ مُجاهِدٌ، ومُقاتِلٌ. والثّانِي: خَلَقَ في كُلِّ سَماءِ خَلْقَها، قالَهُ السُّدِّيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَزَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا﴾ أيِ: القُرْبى إلى الأرْضِ ﴿بِمَصابِيحَ﴾ وهي النُّجُومُ، والمَصابِيحُ: السُّرُجُ، فَسُمِّيَ الكَوْكَبُ مِصْباحًا، لِإضاءَتِهِ ﴿وَحِفْظًا﴾ قالَ الزَّجّاجُ: مَعْناهُ: وحَفِظْناها مِنِ اسْتِماعِ الشَّياطِينِ بِالكَواكِبِ حِفْظًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب