الباحث القرآني

(p-٢٢٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيا قَوْمِ ما لِي أدْعُوكُمْ﴾ أيْ: مالَكُمْ، كَما تَقُولُ: ما لِي أراكَ حَزِينًا، مَعْناهُ: مالَكَ، ومَعْنى الآيَةِ: أخْبَرُونِي كَيْفَ هَذِهِ الحالُ، أدْعُوكم ﴿إلى النَّجاةِ﴾ مِنَ النّارِ بِالإيمانِ، ﴿وَتَدْعُونَنِي إلى النّارِ﴾ أيْ: إلى الشِّرْكِ الَّذِي يُوجِبُ النّارَ؟! ثُمَّ فَسَّرَ الدَّعْوَتَيْنِ بِما بَعْدَ هَذا. وَمَعْنى ﴿لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ﴾ أيْ: لا أعْلَمَ هَذا الَّذِي ادَّعَوْهُ شَرِيكًا لَهُ. وقَدْ سَبَقَ بَيانُ ما بَعْدَ هَذا [البَقَرَةِ: ١٢٩، طَه: ٨٢] إلى قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ﴾ وفِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: لَيْسَ لَهُ اسْتِجابَةُ دَعْوَةٍ، قالَهُ السُّدِّيُّ. والثّانِي: لَيْسَ لَهُ شَفاعَةٌ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنَّ مَرَدَّنا إلى اللَّهِ﴾ أيْ: مَرْجِعُنا؛ والمَعْنى: أنَّهُ يُجازِينا بِأعْمالِنا. وفي المُسْرِفِينَ قَوْلانِ قَدْ ذَكَرْناهُما عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿مُسْرِفٌ كَذّابٌ﴾ [غافِرٍ: ٢٨] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ ما أقُولُ لَكُمْ﴾ وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو العالِيَةِ، (p-٢٢٦)وَأبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ، وأبُو رَجاءٍ: "فَسَتُذَكَّرُونَ" بِفَتْحِ الذّالِ وتَخْفِيفِها وتَشْدِيدِ الكافِ وفَتْحِها؛ وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وأيُّوبُ السِّخْتِيانِيُّ: بِفَتْحِ الذّالِ والكافِ وتَشْدِيدِهِما جَمِيعًا. أيْ: إذا نَزَلَ العَذابُ بِكم ما أقُولُ لَكم في الدُّنْيا مِنَ النَّصِيحَةِ؟! ﴿وَأُفَوِّضُ أمْرِي إلى اللَّهِ﴾ أيْ: أرُدُّهُ، وذَلِكَ أنَّهم تَواعَدُوهُ لِمُخالَفَتِهِ دِينَهم ﴿إنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالعِبادِ﴾ أيْ: بِأوْلِيائِهِ وأعْدائِهِ. ثُمَّ خَرَجَ المُؤْمِنُ عَنْهُمْ، فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، ونَجا مَعَ مُوسى لَمّا عَبَرَ البَحْرَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا﴾ أيْ: ما أرادُوا بِهِ مِنَ الشَّرِّ ﴿وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ﴾ لَمّا لَجُّوا في البَحْرِ ﴿سُوءُ العَذابِ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: هو الغَرَقُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا﴾ قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ (p-٢٢٧)(p-٢٢٨)وابْنُ عَبّاسٍ: إنَّ أرْواحَ آلِ فِرْعَوْنَ في أجْوافِ طَيْرٍ سُودٍ يُعْرَضُونَ عَلى النّارِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَيُقالُ: يا آلَ فِرْعَوْنَ هَذِهِ دارُكم. ورَوى ابْنُ جَرِيرٍ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الكَرِيمِ بْنِ أبِي عُمَيْرٍ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ البَلْخِيُّ قالَ: سَمِعْتُ الأوْزاعِيَّ، وسَألَهُ رَجُلٌ، فَقالَ: رَأيْنا طُيُورًا تَخْرُجُ مِنَ البَحْرِ فَتَأْخُذُ ناحِيَةَ الغَرْبِ بِيضًا، فَوْجًا فَوْجًا، لا يَعْلَمُ عَدَدَها إلّا اللَّهُ، فَإذا كانَ العَشِيُّ رَجَعَ مِثْلُها سُودًا، قالَ: وفَطِنْتُمْ إلى ذَلِكَ؟ قالَ: نَعَمَ، قالَ: إنَّ تِلْكَ الطَّيْرَ في حَواصِلِها أرَواحُ آلِ فِرْعَوْنَ يُعْرَضُونَ عَلى النّارِ غُدُوًّا وعَشِيًّا، فَتَرْجِعُ إلى وُكُورِها وقَدِ احْتَرَقَتْ رِياشُها وصارَتْ سَوْداءَ، فَيَنْبُتُ عَلَيْها مِنَ اللَّيْلِ رِياشٌ بِيضٌ، وتَتَناثَرُ السُّودُ، ثُمَّ تَغْدُو ويُعْرَضُونَ عَلى النّارِ غُدُوًّا وعَشِيًّا، [ثُمَّ تَرْجِعُ إلى وُكُورِها]، فَذَلِكَ دَأْبُها في الدُّنْيا، فَإذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿أدْخِلُوا (p-٢٢٩)آلَ فِرْعَوْنَ أشَدَّ العَذابِ﴾ . وقَدْ رَوى البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ في "الصَّحِيحَيْنِ" مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « "إنَّ أحَدَكم إذا ماتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدَهُ بِالغَداةِ والعَشِيِّ، إنْ كانَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ فَمِن [أهْلِ] الجَنَّةِ، وإنْ كانَ مِن أهْلِ النّارِ فَمِن [أهْلِ] النّارِ، يُقالُ: هَذا مَقْعَدُكَ حَتّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ" .» وَهَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى عَذابِ القَبْرِ، لِأنَّهُ بَيَّنَ ما لَهم في الآخِرَةِ فَقالَ: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أدْخِلُوا﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ، [وَأبُو عَمْرٍو]، وأبُو بَكْرٍ وأبانُ عَنْ عاصِمٍ: "السّاعَةُ ادْخُلُوا" بِالضَّمِّ وضَمِّ الخاءِ عَلى مَعْنى الأمْرِ لَهم بِالدُّخُولِ، والِابْتِداءُ عَلى قِراءَةِ هَؤُلاءِ بِضَمِّ الألْفِ. وقَرَأ الباقُونَ: بِالقَطْعِ مَعَ كَسْرِ الخاءِ عَلى جِهَةِ الأمْرِ لِلْمَلائِكَةِ بِإدْخالِهِمْ، وهَؤُلاءِ يَبْتَدِئُونَ بِفَتْحِ الألِفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب