الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: «أنَّ طُعْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ سَرَقَ دِرْعًا لقَتادَةَ بْنَ النُّعْمانِ، وكانَ الدِّرْعُ في جِرابٍ فِيهِ دَقِيقٌ، فَجَعَلَ الدَّقِيقَ يَنْتَشِرُ مِن خَرْقِ الجِرابِ، حَتّى انْتَهى إلى الدّارِ، ثُمَّ خَبَّأها عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ اليَهُودِ، فالتَمَسْتُ الدِّرْعَ عِنْدَ طُعْمَةَ، فَلَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ، وحَلِفَ: ما لِي بِها عُلِمٌ، فَقالَ أصْحابُها: بَلى واللَّهِ، لَقَدْ دَخَلَ عَلَيْنا فَأخَذَها، وطَلَبْنا أثَرَهُ حَتّى دَخَلَ دارَهُ، فَرَأيْنا أثَرَ الدَّقِيقِ، فَلمّا حَلِفَ تَرَكُوهُ، واتَّبَعُوا أثَرَ الدَّقِيقِ حَتّى انْتَهَوْا إلى مَنزِلِ اليَهُودِيِّ فَأخَذُوهُ، فَقالَ: دَفَعَها إلَيَّ طُعْمَةُ، فَقالَ قَوْمُ طُعْمَةَ: انْطَلِقُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ولِيُجادِلْ عَنْ صاحِبِنا فَإنَّهُ بَرِيءٌ، فَأتَوْهُ فَكَلَّمُوهُ في ذَلِكَ، فَهَمَّ أنْ يَفْعَلَ، وأنْ يُعاقِبَ اليَهُودِيَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَياتُ كُلُّها.» رَواهُ أبُو صالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: «أنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ، اسْتَوْدَعَ طُعْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ دِرْعًا، فَخانَها، فَلَمّا خافَ اطِّلاعَهم عَلَيْها، ألْقاها في دارِ أبُو مُلَيِّلٍ الأنْصارِيُّ، فَجادَلَ قَوْمُ طُعْمَةَ عَنْهُ، وأتَوُا النَّبِيَّ ﷺ، فَسَألُوهُ أنَّ يُبَرِّئَهُ، ويَكْذِبَ اليَهُودِيَّ، فَنَزَلَتِ الآَياتُ،» هَذا قَوْلُ السُّدِّيِّ، ومُقاتِلٌ. (p-١٩١)والثّالِثُ: «أنَّ مَشْرُبَةَ رَفاعَةَ بْنَ زَيْدٍ نَقَبَتْ، وأخَذَ طَعامَهُ وسِلاحَهُ، فاتَّهَمَ بِهِ بَنُو أُبَيْرِقٍ، وكانُوا ثَلاثَةً بَشِيرًا، ومُبَشِّرًا، وبِشْرًا، فَذَهَبَ قَتادَةُ بْنُ النُّعْمانِ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أهْلَ بَيْتٍ مِنّا فِيهِمْ جَفاءُ نَقَبُوا مَشْرُبَةَ لِعَمِّي رَفاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وأخَذُوا سِلاحَهُ، وطَعامَهُ، فَقالَ: انْظُرْ في ذَلِكَ، فَذَهَبَ قَوْمٌ مِن قَوْمِ بَنِي أُبَيْرِقٍ إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَقالُوا: إنَّ قَتادَةَ بْنَ النُّعْمانِ، وعَمَّهُ، عَمَدُوا إلى أهْلِ بَيْتٍ مِنّا يَرْمُونَهم بِالسَّرِقَةِ وهم أهْلُ بَيْتِ إسْلامٍ وصَلاحٍ، فَقالَ النَّبِيُّ لقَتادَةَ: رَمَيْتَهم بِالسَّرِقَةِ عَلى غَيْرِ بَيِّنَةٍ! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَياتُ.» قالَهُ قَتادَةُ بْنُ النُّعْمانِ. والكِتابُ: القُرْآَنُ. والحَقُّ: الحُكْمُ بِالعَدْلِ. ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ﴾: أيْ: لِتَقْضِيَ بَيْنَهم. وَفِي قَوْلِهِ ﴿بِما أراكَ اللَّهُ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ الَّذِي عَلَّمَهُ، والَّذِي عَلَّمَهُ أنْ لا يَقْبَلَ دَعْوى أحَدٍ عَلى أحَدٍ إلّا بِبُرْهانٍ. والثّانِي: أنَّهُ ما يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهادُهُ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. (p-١٩٢)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيمًا﴾ قالَ الزَّجّاجُ: لا تَكُنْ مُخاصِمًا، ولا دافِعًا عَنْ خائِنٍ. واخْتَلَفُوا هَلْ خاصَمَ عَنْهُ أمْ لا؟ عَلى قَوْلَيْنِ. أحَدُهُما: أنَّهُ قامَ خَطِيبًا فَعَذَرَهُ، رَواهُ العَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ هَمَّ بِذَلِكَ، ولَمْ يَفْعَلْهُ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وقَتادَةُ. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: وهَذِهِ الآَيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ لِأحَدٍ أنْ يُخاصِمَ عَنْ غَيْرِهِ في إثْباتِ حَقٍّ أوْ نَفْيِهِ، وهو غَيْرُ عالِمٍ بِحَقِيقَةِ أمْرِهِ، لِأنَّ اللَّهَ تَعالى عاتَبَ نَبِيَّهُ عَلى مَثَلِ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب