الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ إنِّي أُمِرْتُ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: وذَلِكَ أنَّ كُفّارَ قُرَيْشٍ قالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ما حَمَلَكَ عَلى الَّذِي أتَيْتِنا بِهِ؟! ألا تَنْظُرَ إلى مِلَّةِ آَبائِكَ (p-١٦٩)فَتَأْخُذَ بِها؟! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ؛ والمَعْنى: ﴿قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ أيْ: أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَهُ عَلى التَّوْحِيدِ والإخْلاصِ السّالِمِ مِنَ الشِّرْكَ، ﴿وَأُمِرْتُ لأنْ أكُونَ أوَّلَ المُسْلِمِينَ﴾ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ. ﴿قُلْ إنِّي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾ بِالرُّجُوعِ إلى دِينِ آَبائِي ﴿عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ وقَدِ اخْتَلَفُوا في نَسْخِ هَذِهِ الآَيَةِ كَما بَيَّنّا في نَظِيرَتِها في [الأنْعامِ: ١٥] . ﴿قُلِ اللَّهَ أعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ بِالتَّوْحِيدِ، ﴿فاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ﴾، وهَذا تَهْدِيدٌ، وبَعْضُهم يَقُولُ: هو مَنسُوخٌ بِآَيَةِ السَّيْفِ، وهَذا باطِلٌ، لِأنَّهُ لَوْ كانَ أمْرًا، كانَ مَنسُوخًا، فَأمّا أنْ يَكُونَ بِمَعْنى الوَعِيدِ، فَلا وجْهَ لِنَسْخِهِ. ﴿قُلْ إنَّ الخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ﴾ بِأنْ صارُوا إلى النّارِ [وَ]خَسِرُوا ﴿أهْلِيهِمْ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقَوْالٍ. أحَدُها: أنَّهم خَسِرُوا الحُورَ العَيْنَ اللَّواتِي أُعْدِدْنَ لَهم في الجَنَّةِ لَوْ أطاعُوا قالَهُ الحَسَنُ، وقَتادَةُ. والثّانِي: خَسِرُوا الأهْلَ في النّارِ، إذْ لا أهْلَ لَهم فِيها، قالَهُ مُجاهِدٌ، وابْنُ زَيْدٍ. والثّالِثُ: خَسِرُوا أهْلِيهِمُ الَّذِينَ كانُوا في الدُّنْيا، إذْ صارُوا إلى النّارِ بِكُفْرِهِمْ، وصارَ أهْلُوهُهم إلى الجَنَّةِ بِإيمانِهِمْ، قالَهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَهم مِن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِن النّارِ﴾ وهي الأطْباقُ مِنَ النّارِ. وإنَّما قالَ: ﴿وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ لِأنَّها ظُلَلٌ لِمَن تَحْتَهم ﴿ذَلِكَ﴾ الَّذِي وصَفَ اللَّهَ مِنَ العَذابِ ﴿يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ﴾ المُؤْمِنِينَ. (p-١٧٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ﴾ رَوى ابْنُ زَيْدٍ عَنِ أبِيهِ أنَّ هَذِهِ الآَيَةَ والَّتِي بَعْدَها نَزَلَتْ في ثَلاثَةِ نَفَرٍ كانُوا في الجاهِلِيَّةِ يُوَحِّدُونَ اللَّهَ تَعالى: زِيدُ بْنُ عَمْرٍو بْنُ نُفَيْلٍ، وأبُو ذَرٍّ، وسَلْمانُ الفارِسِيُّ، رِضى اللَّهِ عَنْهُمْ؛ قالَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ﴾ بِغَيْرِ كِتابٍ ولا نَبِيٍّ. وَفِي المُرادِ بِالطّاغُوتِ هاهُنا ثَلاثَةُ أقَوْالٍ. أحَدُها: الشَّياطِينُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّانِي: الكَهَنَةُ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. والثّالِثُ: الأوْثانُ، قالَهُ مُقاتِلٌ، فَعَلى قَوْلِ مُقاتِلٍ هَذا: إنَّما قالَ: "يَعْبُدُوها" لِأنَّها مُؤَنَّثَةٌ. وقالَ الأخْفَشُ: إنَّما قالَ: "يَعْبُدُوها" لِأنَّ الطّاغُوتَ في مَعْنى جَماعَةٍ، وإنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ واحِدًا مُؤَنَّثًا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنابُوا إلى اللَّهِ﴾ أيْ: رَجَعُوا إلَيْهِ بِالطّاعَةِ ﴿لَهُمُ البُشْرى﴾ بِالجَنَّةِ ﴿فَبَشِّرْ عِبادِ﴾ بِباءٍ، وحَرَّكَ الياءَ أبُو عَمْرٍو. ثُمَّ نَعَتَهم فَقالَ: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ﴾ وفِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: [أنَّهُ] القُرْآَنُ، قالَهُ الجُمْهُورُ. فَعَلى هَذا، في مَعْنى ﴿فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ﴾ أقْوالٌ قَدْ شَرَحْناها في [الأعْرافِ: ١٤٥] عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأحْسَنِها﴾ . والثّانِي: أنَّهُ جَمِيعُ الكَلامِ. ثُمَّ في المَعْنى قَوْلانِ. أحَدُهُما: [أنَّهُ الرَّجُلُ] (p-١٧١)يَجْلِسُ مَعَ القَوْمِ فَيَسْمَعُ كَلامَهُمْ، فَيَعْمَلُ بِالمَحاسِنِ ويُحَدِّثُ بِها، ويَكُفُّ عَنِ المَساوِئِ وُيُظْهِرُها، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. والثّانِي: [أنَّهُ] لَمّا ادَّعى مُسَيْلِمَةُ أنَّهُ قَدْ أتى بِقُرْآَنٍ، وأتَتِ الكَهَنَةُ بِالكَلامِ المُزَخْرَفِ في الأباطِيلِ، فَرَّقَ المُؤْمِنُونَ بَيْنَ ذَلِكَ وبَيْنَ كَلامِ اللَّهِ، فاتَّبَعُوا كَلامَ اللَّهِ، ورَفَضُوا أباطِيلَ أُولَئِكَ، قالَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب