الباحث القرآني

(p-١٤٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واذْكُرْ عِبادَنا﴾ وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وحَمِيدٌ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، وابْنُ كَثِيرٍ: "عَبْدَنا"، إشارَةً إلى إبْراهِيمَ، وجَعَلُوا إسْحاقَ ويَعْقُوبَ عَطْفًا عَلَيْهِ، لِأنَّهُ الأصْلُ وهُما ولَداهُ، والمَعْنى: اذْكُرْ صَبْرَهُمْ، فَإبْراهِيمُ أُلْقِيَ في النّارِ، وإسْحاقُ أُضْجِعَ لِلذَّبْحِ، ويَعْقُوبُ صَبَرَ عَلى ذَهابِ بَصَرِهِ وابْتُلِيَ بِفَقْدِ ولَدِهِ؛ ولَمْ يَذْكُرْ إسْماعِيلُ مَعَهُمْ، لِأنَّهُ لَمْ يُبْتَلَ كَما ابْتُلُوا. ﴿أُولِي الأيْدِي﴾ يَعْنِي القُوَّةَ في الطّاعَةِ ﴿والأبْصارِ﴾ البَصائِرُ في الدِّينِ والعِلْمِ. قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وذِكْرُ الأيْدِي مَثَلٌ، وذَلِكَ لِأنَّ بِاليَدِ البَطْشَ، وبِالبَطْشِ تُعْرَفُ قُوَّةُ القَوِيِّ، فَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْقَوِيِّ: ذُو يَدٍ؛ وعَنى بِالبَصَرِ: بَصَرُ القَلْبِ، وبِهِ تَنالُ مَعْرِفَةَ الأشْياءِ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، والأعْمَشُ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "أُولِي الأيْدِ" بِغَيْرِ ياءٍ في الحالَيْنِ. قالَ الفَرّاءُ: ولَها وجْهانِ. أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ القارِئُ لِهَذا أرادَ الأيْدِيَ، فَحَذَفَ الياءَ، وهو صَوابٌ، مِثْلُ الجَوارِ والمُنادِ. والثّانِي: أنْ يَكُونَ مِنَ القُوَّةِ والتَّأْيِيدِ، مِن قَوْلِهِ: ﴿وَأيَّدْناهُ بِرُوحِ القُدُسِ﴾ [البَقَرَةِ: ٨٧] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا أخْلَصْناهُمْ﴾ أيِ: اصْطَفَيْناهم وجَعَلْناهم لَنا خالِصِينَ، فَأفْرَدْناهم بِمُفْرِدَةٍ مِن خِصالِ الخَيْرِ؛ ثُمَّ أبانَ عَنْها بِقَوْلِهِ: ﴿ذِكْرى الدّارِ﴾ . وَفِي المُرادِ بِالدّارِ هاهُنا قَوْلانِ. أحَدُهُما: الآَخِرَةُ. والثّانِي: الجَنَّةُ. وَفِي الذِّكْرى قَوْلانِ. (p-١٤٧)أحَدُهُما: أنَّها مِنَ الذِّكْرِ، فَعَلى هَذا يَكُونُ المَعْنى: أخْلَصْناهم بِذِكْرِ الآَخِرَةِ، فَلَيْسَ لَهم ذِكْرٌ غَيْرَها، قالَهُ مُجاهِدٌ، وعَطاءٌ، والسُّدِّيُّ. وكانَ الفُضَيْلُ ابْنُ عِياضٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ: هو الخَوْفُ الدّائِمُ في القَلْبِ. والثّانِي: أنَّها التَّذْكِيرُ، فالمَعْنى أنَّهم يَدْعُونَ النّاسَ إلى الآَخِرَةِ وإلى عِبادَةِ اللَّهِ تَعالى، قالَهُ قَتادَةُ. وَقَرَأ نافِعٌ: "بِخالِصَةٍ ذِكْرى الدّارِ"، فَأضافَ "خالِصَةً" إلى "ذِكْرى الدّارِ" . قالَ أبُو عَلِيٍّ: تَحْتَمِلُ قِراءَةُ مِن نُوَّنَ وجْهَيْنِ، أحَدُهُما: أنْ تَكُونَ "ذِكْرى" بَدَلًا مِن "خالِصَةً"، والتَّقْدِيرُ: أخْلَصْناهم بِذِكْرِ الدّارِ، والثّانِي: أنْ يَكُونَ المَعْنى: أخْلَصْناهم بِأنْ يَذْكُرُوا الدّارَ بِالتَّأهُّبِ لِلْآَخِرَةِ والزُّهْدِ في الدُّنْيا. ومَن أضافَ، فالمَعْنى: أخْلَصْناهم بِإخْلاصِهِمْ ذِكْرى الدّارِ بِالخَوْفِ مِنها. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: أخْلَصْناهم بِأفْضَلِ ما في الجَنَّةِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنَّهم عِنْدَنا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ﴾ أيْ: مِنَ الَّذِينَ اتَّخَذَهُمُ اللَّهُ صَفْوَةً فَصَفاهم مِنَ الأدْناسِ ﴿الأخْيارِ﴾ الَّذِينَ اخْتارَهم. ﴿واذْكُرْ إسْماعِيلَ واليَسَعَ وذا الكِفْلِ﴾ أيِ: اذْكُرْهم بِفَضْلِهِمْ وصَبْرِهِمْ لِتَسْلُكَ طَرِيقَهم واليَسَعُ نَبِيٌّ، واسْمُهُ أعْجَمِيٌّ مُعْرَّبٌ، وقَدْ ذَكَرْناهُ في [الأنْعامِ: ٨٥]، وشَرَحْنا في سُورَةِ [الأنْبِياءِ: ٨٥] قِصَّةَ ذِي الكِفْلِ، وتَكَلَّمْنا في [البَقَرَةِ: ١٢٥] في اسْمِ إسْماعِيلَ، وزَعَمَ مُقاتِلٌ أنَّ إسْماعِيلَ هَذا لَيْسَ بِابْنِ إبْراهِيمَ. (p-١٤٨)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَذا ذِكْرٌ﴾ أيْ: شَرَفٌ وثَناءٌ جَمِيلٌ يُذْكَرُونَ بِهِ أبَدًا ﴿وَإنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ أيْ: حُسْنُ مَرْجِعٍ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ في الآَخِرَةِ. ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ المَرْجِعَ، فَقالَ: ﴿جَنّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوابُ﴾ قالَ الفَرّاءُ: إنَّما رُفِعَتِ "الأبْوابُ" لِأنَّ المَعْنى: مُفَتَّحَةً لَهم أبْوابُها، والعَرَبُ تَجْعَلُ الألِفَ واللّامَ خَلَفًا مِنَ الإضافَةِ، فَيَقُولُونَ: مَرَرْتُ عَلى رَجُلٍ حَسَنِ العَيْنِ، وقَبِيحِ الأنْفِ، والمَعْنى: حَسَنَةٌ عَيْنُهُ، قَبِيحٌ أنْفُهُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنَّ الجَحِيمَ هي المَأْوى﴾ [النّازِعاتِ: ٣٩] والمَعْنى: مَأْواهُ. وقالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: مُفَتَّحَةٌ لَهُمُ الأبْوابُ مِنها، فالألِفُ واللّامُ لِلتَّعْرِيفِ، لا لِلْبَدَلِ. قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: والفائِدَةُ في ذِكْرِ تَفْتِيحِ الأبْوابِ أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ أخْبَرَ عَنْها أنَّ أبْوابَها تُفْتَحُ لَهم بِغَيْرِ فَتْحِ سُكّانِها لَها بِيَدٍ، ولَكِنْ بِالأمْرِ، قالَ الحَسَنُ: هي أبْوابُ تُكَلَّمُ، فَتُكَلَّمُ: انْفَتِحِي، انْغَلِقِي. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَعِنْدَهم قاصِراتُ الطَّرْفِ﴾ قَدْ مَضى بَيانُهُ في [الصّافّاتِ: ٤٨] . قالَ الزَّجّاجُ: والأتْرابُ: اللَّواتِي أسْنانُهُنَّ واحِدَةٌ وهُنَّ في غايَةِ الشَّبابِ والحُسْنِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَذا ما تُوعَدُونَ﴾ قَرَأ أبُو عَمْرٍو، وابْنُ كَثِيرٍ بِالياءِ، والباقُونَ بِالتّاءِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَوْمِ الحِسابِ﴾ اللّامُ بِمَعْنى "فِي" . والنَّفادُ: الِانْقِطاعُ. قالَ السُّدِّيُّ: كُلَّما أُخِذَ مِن رِزْقِ الجَنَّةِ شَيْءٌ، عادَ مِثْلُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب