الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْمُ نُوحٍ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: قَوْمٌ مِنَ العَرَبِ يُؤَنِّثُونَ "القَوْمَ"، وقَوْمٌ يُذَكِّرُونَ، فَإنِ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الآَيَةِ، قالُوا: وقَعَ المَعْنى عَلى العَشِيرَةِ، واحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ ﴿كَلا إنَّها تَذْكِرَةٌ﴾ [عَبَسَ: ١١]، قالُوا: والمُضْمَرُ مُذَكَّرٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتادِ﴾ فِيهِ سِتَّةُ أقَوْالٍ. أحَدُها: أنَّهُ كانَ يُعَذِّبُ النّاسَ بِأرْبَعَةِ أوْتادٍ يَشُدُّهم فِيها، ثُمَّ يَرْفَعُ صَخْرَةً فَتُلْقى عَلى الإنْسانِ فَتَشْدَخُهُ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وكَذَلِكَ قالَ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ: كانَ يُعَذِّبُ النّاسَ بِأوْتادٍ يُوتِدُها في أيْدِيهِمْ وأرْجُلِهِمْ. والثّانِي: أنَّهُ ذُو البِنّاءِ المُحْكَمِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا، وبِهِ قالَ الضَّحّاكُ، والقُرَظِيُّ، واخْتارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، قالَ: والعَرَبُ تَقُولُ: هم في عِزٍّ ثابِتِ الأوْتادِ، ومُلْكٌ ثابِتُ الأوْتادِ، يُرِيدُونَ أنَّهُ دائِمٌ شَدِيدُ، وأصْلُ هَذا، أنَّ البَيْتَ [مِن بُيُوتِهِمْ] يُثْبَّتُ بِأوْتادٍ، قالَ الأسْوَدُ بْنُ يَعْفُرَ:(p-١٠٦) ؎ [وَلَقَدْ غَنَوْا فِيها بِأنْعَمِ عِيشَةٍ] في ظِلِّ مُلْكٍ ثابِتِ الأوْتادِ والثّالِثُ: أنَّ المُرادَ بِالأوْتادِ: الجُنُودُ، رَواهُ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وذَلِكَ أنَّهم كانُوا يَشُدُّونَ مُلْكَهُ ويُقَوُّونَ أمْرَهُ كَما يُقَوِّي الوَتَدُ الشَّيْءَ. والرّابِعُ: أنَّهُ كانَ يَبْنِي مَنارًا يَذْبَحُ عَلَيْها النّاسَ. والخامِسُ: أنَّهُ كانَ لَهُ أرْبَعُ أُسْطُواناتٍ، فَيَأْخُذُ الرَّجُلَ فَيَمُدُّ كُلَّ قائِمَةٍ إلى أُسْطُوانَةٍ فَيُعَذِّبُهُ، رُوِيَ القَوْلانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. والسّادِسُ: أنَّهُ كانَتْ لَهُ أوْتادٌ وأرْسانٌ ومَلاعِبٌ يُلْعَبُ لَهُ عَلَيْها، قالَهُ عَطاءٌ، وقَتادَةُ. وَلَمّا ذَكَرَ المُكَذِّبِينَ، قالَ: ﴿أُولَئِكَ الأحْزابُ﴾ فَأعْلَمَنا أنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ مِن هَؤُلاءِ، وقَدْ عَذَّبُوا وأهْلَكُوا، ﴿فَحَقَّ عِقابِ﴾ أثْبَتَ الياءَ في الحالَيْنِ (p-١٠٧)يَعْقُوبُ. ﴿وَما يَنْظُرُ﴾ أيْ: وما يَنْتَظِرُ ﴿هَؤُلاءِ﴾ يَعْنِي كُفّارُ مَكَّةَ ﴿إلا صَيْحَةً واحِدَةً﴾ وفِيها قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها النَّفْخَةُ الأُولى، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّانِي: النَّفْخَةُ الأخِيرَةُ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. وَفِي الفَواقِ قِراءَتانِ. قَرَأ حَمْزَةُ، وخَلْفٌ، والكِسائِيُّ: بِضَمِّ الفاءِ. وقَرَأ الباقُونَ: بِفَتْحِها. وهَلْ بَيْنَهُما فَرْقٌ، أمْ لا؟ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُما لُغَتانِ بِمَعْنًى واحِدٍ، وهو مَعْنى قَوْلِ الفَرّاءِ، وابْنِ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجِ. قالَ الفَرّاءُ: والمَعْنى: ما لَها مِن راحَةٍ ولا إفاقَةٍ، وأصْلُهُ مِنَ الإفاقَةِ في الرَّضاعِ إذا ارْتَضَعَتِ البَهِيمَةُ أُمَّها ثُمَّ تَرَكَتْها حَتّى تُنْزِلَ شَيْئًا مِنَ اللَّبَنِ، فَتِلْكَ الإفاقَةُ. وجاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "العِيادَةُ قَدْرُ فَواقِ ناقَةٍ" .» ومَن يَفْتَحُ الفاءَ، فِيهِ لُغَةٌ جَيِّدَةٌ عالِيَةٌ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الفُواقُ والفَواقُ واحِدٌ، وهو أنْ تُحْلَبَ النّاقَةُ وتُتْرَكَ ساعَةً حَتّى تُنْزِلَ شَيْئًا مِنَ اللَّبَنِ، ثُمَّ تُحْلَبُ، فَما بَيْنَ الحَلْبَتَيْنِ فَواقٌ، فاسْتُعِيرَ الفَواقُ في مَوْضِعِ المُكْثِ والِانْتِظارِ. وقالَ الزَّجّاجُ: الفَواقُ: ما بَيْنَ حَلْبَتَيِ النّاقَةِ، وهو مُشْتَقٌّ مِنَ الرُّجُوعِ، لِأنَّهُ يَعُودُ اللَّبَنُ إلى الضَّرْعِ بَيْنَ الحَلْبَتَيْنِ، يُقالُ: أفاقَ مِن مَرَضِهِ، أيْ: رَجَعَ إلى الصِّحَّةِ. والثّانِي: أنَّ مَن فَتَحَها، أرادَ: ما لَها مِن راحَةٍ، ومَن ضَمَّها، أرادَ: فَواقِ النّاقَةِ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. (p-١٠٨)وَلِلْمُفَسِّرِينَ في مَعْنى الكَلامِ أرْبَعَةُ أقَوْالٍ. أحَدُها: ما لَها مِن رَجْعَةٍ، ثُمَّ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: ما لَها مِن تَرْدادٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والمَعْنى أنَّ تِلْكَ الصَّيْحَةَ لا تُكَرَّرُ. والثّانِي: ما لَها مِن رُجُوعٍ إلى الدُّنْيا، قالَهُ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، والمَعْنى أنَّهم لا يَعُودُونَ بَعْدَها إلى الدُّنْيا. والثّانِي: ما لَهم مِنها مِن إفاقَةٍ، بَلْ تُهْلِكُهُمْ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. والثّالِثُ: ما لَها مِن فُتُورٍ ولا انْقِطاعٍ، قالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. والرّابِعُ: ما لَها مِن راحَةٍ، حَكاهُ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب