الباحث القرآني

(p-٥٩)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ﴾ يَعْنِي أهْلَ الجَنَّةِ ﴿يَتَساءَلُونَ﴾ عَنْ أحْوالٍ كانَتْ في الدُّنْيا. ﴿قالَ قائِلٌ مِنهم إنِّي كانَ لِي قَرِينٌ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقَوْالٍ. أحَدُها: أنَّهُ الصّاحِبُ في الدُّنْيا. والثّانِي: أنَّهُ الشَّرِيكُ، رُوِيا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّهُ الشَّيْطانُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والرّابِعُ: أنَّهُ الأخُ؛ قالَ مُقاتِلٌ: وهُما الأخَوانِ المَذْكُورانِ في سُورَةِ [الكَهْفِ: ٣٢] في قَوْلِهِ: ﴿واضْرِبْ لَهم مَثَلا رَجُلَيْنِ﴾؛ والمَعْنى: كانَ لِي صاحِبٌ أوْ أخٌ يُنْكِرُ البَعْثَ، ﴿يَقُولُ أإنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: هي مُخَفَّفَةُ الصّادِ، مِن صِدْقٍ يُصَدِّقُ فَهو مُصَدِّقٌ، ولا يَجُوزُ هاهُنا تَشْدِيدُ الصّادِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: والمَعْنى: أئِنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ بِالبَعْثِ؟ وقَرَأ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القاضِي عَنْ حَمْزَةَ: "المُصَدِّقِينَ" بِتَشْدِيدِ الصّادِ. (p-٦٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أإنّا لَمَدِينُونَ﴾ أيْ: مَجْزِيُّونَ بِأعْمالِنا؛ يُقالُ: دِنْتُهُ بِما صَنَعَ، أيْ: جازَيْتُهُ. فَأحَبَّ المُؤْمِنُ أنْ يَرى قَرِينَةَ الكافِرِ، فَقالَ لِأهْلِ الجَنَّةِ: ﴿هَلْ أنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ أيْ: هَلْ تُحِبُّونَ الِاطِّلاعَ إلى النّارِ لِتَعْلَمُوا أيْنَ مَنزِلَتُكم مِن مَنزِلَةِ أهْلِها؟ وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَّحّاكُ، وأبُو عِمْرانَ، وابْنُ يَعْمُرَ: "هَلْ أنْتُمْ مُطَّلِعُونَ" بِإسْكانِ الطّاءِ وتَخْفِيفِها ﴿فاطَّلَعَ﴾ بِهَمْزَةٍ مَرْفُوعَةٍ وسُكُونِ الطّاءِ. وقَرَأ أبُو رَزِينٍ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "مُطَّلِعُونَ" بِكَسْرِ النُّونِ. قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: اطَّلَعَ ثُمَّ التَفَتَ إلى أصْحابِهِ فَقالَ: لَقَدْ رَأيْتُ جَماجِمَ القَوْمِ تَغْلِي؛ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وذَلِكَ أنَّ في الجَنَّةِ كُوًى يَنْظُرُ مِنها أهْلُها إلى النّارِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَرَآهُ﴾ يَعْنِي قَرِينَةَ الكافِرِ ﴿فِي سَواءِ الجَحِيمِ﴾ أيْ: في وسَطِها. وقِيلَ: إنَّما سُمِّيَ الوَسَطُ سَواءً، لِاسْتِواءِ المَسافَةِ مِنهُ إلى الجَوانِبِ. قالَ خُلَيْدُ العَصْرِيُّ: واللَّهِ لَوْلا أنَّ اللَّهَ عَرَّفَهُ إيّاهُ، ما عَرَفَهُ، لَقَدْ تَغَيَّرَ حَبْرُهُ وسَبَرُهُ. فَعِنْدَ ذَلِكَ ﴿قالَ تاللَّهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: مَعْناهُ: واللَّهِ ما كِدْتُ إلّا تُهْلِكَنِي؛ يُقالُ أرْدَيْتُ فَلانًا، أيْ: أهْلَكْتُهُ. ﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي﴾ أيْ: إنْعامُهُ عَلَيَّ بِالإسْلامِ ﴿لَكُنْتُ مِنَ المُحْضَرِينَ﴾ مَعَكَ في النّارِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقَوْالٍ. أحَدُها: أنَّهُ إذا ذَبَحَ المَوْتَ، قالَ أهْلُ الجَنَّةِ: "أفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ، (p-٦١)إلّا مَوْتَتَنا الأوْلى" الَّتِي كانَتْ في الدُّنْيا ﴿وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ ؟ فَيُقالُ لَهُمْ: لا؛ فَعِنْدَ ذَلِكَ قالُوا: ﴿إنَّ هَذا لَهو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ﴿لِمِثْلِ هَذا فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ﴾، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. وقِيلَ: يَقُولُ ذَلِكَ لِلْمَلائِكَةِ. والثّانِي: أنَّهُ قَوْلُهُ المُؤْمِنُ لِأصْحابِهِ، فَقالُوا لَهُ: إنَّكَ لا تَمُوتُ، فَقالَ: "إنَّ هَذا لَهْوَ الفَوْزُ العَظِيمُ" قالَهُ مُقاتِلٌ. وقالَ أبُو سُفْيانَ الدِّمَشْقِيُّ: إنَّما خاطَبَ المُؤْمِنُ أهْلَ الجَنَّةِ بِهَذا عَلى طَرِيقِ الفَرَحِ بِدَوامِ النَّعِيمِ، لا عَلى طَرِيقِ الِاسْتِفْهامِ، لِأنَّهُ قَدْ عَلِمَ أنَّهم لَيْسُوا بِمَيِّتِينَ، ولَكِنْ أعادَ الكَلامَ لِيَزْدادَ بِتَكْرارِهِ عَلى سَمْعِهِ سُرُورًا. والثّالِثُ: أنَّهُ قَوْلُ المُؤْمِنِ لِقَرِينِهِ الكافِرِ عَلى جِهَةِ التَّوْبِيخِ بِما كانَ يُنْكِرُهُ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِمِثْلِ هَذا﴾ يَعْنِي النَّعِيمُ الَّذِي ذَكَرَهُ في قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ لَهم رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصّافّاتِ: ٤١] ﴿فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ﴾، وهَذا تَرْغِيبٌ في طَلَبِ ثَوابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ بِطاعَتِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب