الباحث القرآني
ثُمَّ أخْبَرَ عَنِ المَلائِكَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَما مِنّا﴾ والمَعْنى: ما مَنّا مَلَكٌ ﴿إلا لَهُ (p-٩٣)مَقامٌ مَعْلُومٌ﴾ أيْ: مَكانٌ في السَّمَواتِ مَخْصُوصٌ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ، ﴿وَإنّا لَنَحْنُ الصّافُّونَ﴾ قالَ قَتادَةُ: صُفُوفٌ في السَّماءِ. وقالَ السُّدِّيُّ: هو الصَّلاةُ. وقالَ ابْنُ السّائِبِ: صُفُوفُهم في السَّماءِ كَصُفُوفِ أهْلِ الدُّنْيا في الأرْضِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحُونَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: المُصَلُّونَ. والثّانِي: المُنَزَّهُونَ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ عَنِ السُّوءِ. وكانَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ إذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ أقْبَلَ عَلى النّاسِ بِوَجْهِهِ وقالَ: يا أيُّها النّاسُ اسْتَوُوا، فَإنَّما يُرِيدُ اللَّهُ بِكم هَدْيَ المَلائِكَةِ، وإنّا لَنَحْنُ الصّافُّونَ، وإنّا لَنَحُنُ المُسَبِّحُونَ.
ثُمَّ عادَ إلى الإخْبارِ عَنِ المُشْرِكِينَ، فَقالَ: ﴿وَإنْ كانُوا لَيَقُولُونَ﴾ اللّامُ في "لَيَقُولُونَ" لامُ تَوْكِيدٍ؛ والمَعْنى: وقَدْ كانَ كَفّارُ قُرَيْشٍ يَقُولُونَ قَبْلَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿لَوْ أنَّ عِنْدَنا ذِكْرًا﴾ أيْ: كِتابًا ﴿مِنَ الأوَّلِينَ﴾ أيْ: مِثْلَ كُتُبِ الأوَّلِينَ، وهُمُ اليَهُودُ والنَّصارى، ﴿لَكُنّا عِبادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ﴾ أيْ: لَأخْلَصْنا العِبادَةَ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ.
﴿فَكَفَرُوا بِهِ﴾ فِيهِ اخْتِصارٌ، تَقْدِيرُهُ: فَلَمّا آَتاهم ما طَلَبُوا، كَفَرُوا بِهِ، ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ عاقِبَةَ كُفْرِهِمْ، وهَذا تَهْدِيدٌ لَهم.
﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا﴾ أيْ: تَقَدَّمَ وعْدُنا لِلْمُرْسَلِينَ بِنَصْرِهِمْ والكَلِمَةُ قَوْلُهُ: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أنا ورُسُلِي﴾ [المُجادَلَةِ: ٢١]، ﴿إنَّهم لَهُمُ المَنصُورُونَ﴾ بِالحُجَّةِ، ﴿وَإنَّ جُنْدَنا﴾ يَعْنِي حِزْبَنا المُؤْمِنِينَ ﴿لَهُمُ الغالِبُونَ﴾ بِالحُجَّةِ أيْضًا والظَّفْرِ. ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أيْ: أعْرَضْ عَنْ كُفّارِ مَكَّةَ ﴿حَتّى حِينٍ﴾ أيْ: حَتّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ إمْهالِهِمْ. وقالَ مُجاهِدٌ: حَتّى نَأْمُرَكَ بِالقِتالِ؛ (p-٩٤)فَعَلى هَذا، الآَيَةُ مُحْكَمَةٌ. وقالَ في رِوايَةٍ: حَتّى المَوْتِ؛ وكَذَلِكَ قالَ قَتادَةُ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: حَتّى القِيامَةِ؛ فَعَلى هَذا، يَتَطَرَّقُ نَسْخُها. وقالَ مُقاتِلُ بْنُ حَيّانَ: نَسَخَتْها آَيَةُ القِتالِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأبْصِرْهُمْ﴾ أيِ: انْظُرْ إلَيْهِمْ إذا نَزَلَ العَذابُ. قالَ مُقاتِلُ بْنُ سُلَيْمانَ: هو العَذابُ بِبَدْرٍ؛ وقِيلَ: أُبْصِرُ حالَهم بِقَلْبِكَ ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ ما أنْكَرُوا، وكانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِالعَذابِ تَكْذِيبًا بِهِ، فَقِيلَ: ﴿أفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ﴾؟! .
﴿فَإذا نَزَلَ﴾ يَعْنِي العَذابَ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو عِمْرانَ، والجَحْدَرِيُّ، وابْنُ يَعْمُرَ: "فَإذا نَزَلَ" بِرَفْعِ النُّونِ وكَسْرِ الزّايِ وتَشْدِيدِها ﴿بِساحَتِهِمْ﴾ أيْ: بِفِنائِهِمْ وناحِيَتِهِمْ. والسّاحَةُ: فَناءُ الدّارِ. قالَ الفَرّاءُ: العَرَبُ تَكْتَفِي بِالسّاحَةِ والعَقْوَةِ مِنَ القَوْمِ، فَيَقُولُونَ: نَزَلَ بِكَ العَذابُ وبِساحَتِكَ. قالَ الزَّجّاجُ: فَكانَ عَذابُ هَؤُلاءِ القَتْلُ ﴿فَساءَ صَباحُ المُنْذَرِينَ﴾ أيْ: بِئْسَ صَباحُ الَّذِينَ أُنْذِرُوا العَذابَ.
ثُمَّ كَرَّرَ ما تَقَدَّمَ تَوْكِيدًا لِوَعْدِهِ بِالعَذابِ، فَقالَ: ﴿وَتَوَلَّ عَنْهم. . . .﴾ الآَيَتَيْنِ.
ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ قَوْلِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: يَعْنِي عِزَّةَ مَن يَتَعَزَّزُ مِن مُلُوكِ الدُّنْيا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَمّا يَصِفُونَ﴾ أيْ: مِنَ اتِّخاذِ النِّساءِ والأوْلادِ.
(p-٩٥)﴿وَسَلامٌ عَلى المُرْسَلِينَ﴾ فِيهِ وجْهانِ. أحَدُهُما: تَسْلِيمُهُ عَلَيْهِمْ إكْرامًا لَهم. والثّانِي: إخْبارُهُ بِسَلامَتِهِمْ.
﴿والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ عَلى هَلاكِ المُشْرِكِينَ ونُصْرَةِ الأنْبِياءِ والمُرْسَلِينَ.
{"ayahs_start":164,"ayahs":["وَمَا مِنَّاۤ إِلَّا لَهُۥ مَقَامࣱ مَّعۡلُومࣱ","وَإِنَّا لَنَحۡنُ ٱلصَّاۤفُّونَ","وَإِنَّا لَنَحۡنُ ٱلۡمُسَبِّحُونَ","وَإِن كَانُوا۟ لَیَقُولُونَ","لَوۡ أَنَّ عِندَنَا ذِكۡرࣰا مِّنَ ٱلۡأَوَّلِینَ","لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِینَ","فَكَفَرُوا۟ بِهِۦۖ فَسَوۡفَ یَعۡلَمُونَ","وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِینَ","إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ","وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ","فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ حِینࣲ","وَأَبۡصِرۡهُمۡ فَسَوۡفَ یُبۡصِرُونَ","أَفَبِعَذَابِنَا یَسۡتَعۡجِلُونَ","فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمۡ فَسَاۤءَ صَبَاحُ ٱلۡمُنذَرِینَ","وَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ حِینࣲ","وَأَبۡصِرۡ فَسَوۡفَ یُبۡصِرُونَ","سُبۡحَـٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ","وَسَلَـٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِینَ","وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"],"ayah":"فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ حِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق