الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاسْتَفْتِهِمْ﴾ أيْ سَلْ أهْلَ مَكَّةَ سُؤالَ تَوْبِيخٍ وتَقْرِيرٍ، لِأنَّهم زَعَمُوا أنَّ المَلائِكَةَ بَناتُ اللَّهِ ﴿وَهم شاهِدُونَ﴾ أيْ: حاضِرُونَ. ﴿ألا إنَّهم مِن إفْكِهِمْ﴾ أيْ: كَذِبُهم ﴿لَيَقُولُونَ﴾ ﴿وَلَدَ اللَّهُ﴾ حِينَ زَعَمُوا أنَّ المَلائِكَةَ بَناتُهُ. (p-٩١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أصْطَفى البَناتِ﴾ قالَ الفَرّاءُ: هَذا اسْتِفْهامٌ فِيهِ تَوْبِيخٌ لَهُمْ، وقَدْ تُطْرَحُ ألِفُ الِاسْتِفْهامِ مِنَ التَّوْبِيخِ، ومِثْلُهُ: ﴿أذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ﴾ [الأحْقافِ: ٢٠]، و "أذْهَبْتُمْ" يُسْتَفْهَمُ بِها ولا يُسْتَفْهَمُ، ومَعْناهُما واحِدٌ. وقَرَأ أبُو هُرَيْرَةَ، وابْنُ المُسَيِّبِ، والزُّهْرِيُّ، وابْنُ جَمّازٍ عَنْ نافِعٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ: "وَإنَّهم لَكاذِبُونَ اصْطَفى" بِالوَصْلِ غَيْرِ مَهْمُوزٍ ولا مَمْدُودٍ؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: وهو عَلى [وَجْهِ] الخَبَرِ، كَأنَّهُ قالَ: اصْطَفى البَناتَ عَلى البَنِينَ كَما يَقُولُونَ، كَقَوْلِهِ: ﴿ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾ [الدُّخانِ: ٤٩] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما لَكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ لِلَّهِ بِالبَناتِ ولِأنْفُسِكم بِالبَنِينَ؟! ﴿أمْ لَكم سُلْطانٌ مُبِينٌ﴾ أيْ: حُجَّةٌ [بَيِّنَةٌ] عَلى ما تَقُولُونَ، ﴿فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ﴾ الَّذِي فِيهِ حُجَّتِكم. ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقَوْالٍ. أحَدُها: أنَّهم قالُوا: هو وإبْلِيسُ أخَوانِ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ قالَ الماوَرْدِيُّ: وهو قَوْلُ الزَّنادِقَةِ والَّذِينَ يَقُولُونَ: الخَيْرُ مِنَ اللَّهِ، والشَّرُّ مِن إبْلِيسَ. والثّانِي: أنَّ كُفّارَ قُرَيْشٍ قالُوا: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ، والجَنَّةُ صِنْفٌ مِنَ المَلائِكَةِ يُقالُ لَهُمُ: الجَنَّةُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّالِثُ: أنَّ اليَهُودَ قالَتْ: إنَّ اللَّهَ تَعالى تَزَوُّجَ إلى الجِنِّ فَخَرَجَتْ مِن بَيْنِهِمُ المَلائِكَةُ، قالَهُ قَتادَةُ، وابْنُ السّائِبِ. فَخَرَجَ في مَعْنى الجَنَّةِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُمُ المَلائِكَةُ. والثّانِي: الجِنُّ. فَعَلى الأوَّلِ، يَكُونُ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ﴾ أيْ: عَلِمَتِ المَلائِكَةُ ﴿إنَّهُمْ﴾ أيْ: إنَّ هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ ﴿لَمُحْضَرُونَ﴾ النّارَ. (p-٩٢)وَعَلى الثّانِي، ["وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجَنَّةُ] إنَّهُمْ" أيْ: إنَّ الجِنَّ أنْفُسَها "لَمُحْضَرُونَ" الحِسابَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا عِبادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ﴾ يَعْنِي المُوَحِّدِينَ. وفِيما اسْتَثْنَوْا مِنهُ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِن حُضُورِ النّارِ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّانِي: مِمّا يَصِفُ أُولَئِكَ، وهو مَعْنى قَوْلِ ابْنِ السّائِبِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنَّكُمْ﴾ يَعْنِي المُشْرِكِينَ ﴿وَما تَعْبُدُونَ﴾ مِن دُونِ اللَّهِ، ﴿ما أنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ أيْ: عَلى ما تَعْبُدُونَ ﴿بِفاتِنِينَ﴾ أيْ: بِمُضِلِّينَ أحَدًا، ﴿إلا مَن هو صالِ الجَحِيمِ﴾ أيْ: مَن سَبَقَ لَهُ في عِلْمِ اللَّهِ أنَّهُ يَدْخُلُ النّارَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب