الباحث القرآني
(p-٧٩)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنّا عَلى مُوسى وهارُونَ﴾ أيْ: أنْعَمْنا عَلَيْهِما بِالنُّبُوَّةِ.
وَفِي ﴿الكَرْبِ العَظِيمِ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: اسْتِعْبادُ فِرْعَوْنَ وبَلاؤُهُ، وهو مَعْنى قَوْلِ قَتادَةَ. والثّانِي: الغَرَقُ، قالَهُ السُّدِّيُّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَنَصَرْناهُمْ﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: [أنَّهُ] يَرْجِعُ إلى مُوسى وهارُونَ وقَوْمِهِما. والثّانِي: [أنَّهُ] يَرْجِعُ إلَيْهِما فَقَطْ، فَجُمِعا، لِأنَّ العَرَبَ تَذْهَبُ بِالرَّئِيسِ إلى الجَمْعِ، لِجُنُودِهِ وأتْباعِهِ، ذَكَرَهُما ابْنُ جَرِيرٍ. وما بَعْدَ هَذا قَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ [الأنْبِياءِ: ٤٨] إلى قَوْلِهِ: ﴿وَإنَّ إلْياسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ نَبِيٌّ مِن أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ، قالَهُ الأكْثَرُونَ.
والثّانِي: أنَّهُ إدْرِيسُ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وقَتادَةُ، وكَذَلِكَ كانَ يَقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو العالِيَةَ، وأبُو عُثْمانَ النَّهْدِيُّ: "وَإنَّ إدْرِيسَ" مَكانُ "إلْياسَ" .
(p-٨٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذْ قالَ لِقَوْمِهِ ألا تَتَّقُونَ﴾ أيْ: ألا تَخافُونَ اللَّهَ فَتُوَحِّدُونَهُ وتَعْبُدُونَهُ؟! ﴿أتَدْعُونَ بَعْلا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقَوْالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ بِمَعْنى الرَّبِّ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وأبُو عُبَيْدَةَ، وابْنُ قُتَيْبَةَ. وقالَ الضَّحّاكُ: كانَ ابْنُ عَبّاسٍ قَدْ أعْياهُ هَذا الحَرْفُ، فَبَيْنا هو جالِسٌ، إذْ مَرَّ أعْرابِيٌّ قَدْ ضَلَّتْ ناقَتُهُ وهو يَقُولُ: مَن وجَدَ ناقَةً أنا بَعْلُها؟ فَتَبِعَهُ الصِّبْيانُ يَصِيحُونَ بِهِ: يا زَوْجَ النّاقَةِ، يا زَوْجَ النّاقَةِ، فَدَعاهُ ابْنُ عَبّاسٍ فَقالَ: ويْحَكَ، ما عَنَيْتَ بِبَعْلِها؟ قالَ: أنا رَبُّها، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: صَدَقَ اللَّهُ "أتَدْعُونَ بَعْلًا": رَبًّا. وقالَ قَتادَةُ: هَذِهِ لُغَةٌ يَمانِيَةٌ.
والثّانِي: أنَّهُ اسْمُ صَنَمٍ كانَ لَهُمْ، قالَهُ الضَّحّاكُ، وابْنُ زَيْدٍ. وحَكى ابْنُ جَرِيرٍ أنَّهُ بِهِ سُمِّيَتْ "بَعْلَبَكَّ" .
والثّالِثُ: أنَّها امْرَأْهُ كانُوا يَعْبُدُونَها، حَكاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اللَّهَ رَبَّكُمْ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: "اللَّهُ رَبُّكُمْ" بِالرَّفْعِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفَصٌ عَنْ عاصِمٍ، وخَلْفٌ، ويَعْقُوبُ: "اللَّهُ" بِالنَّصْبِ.
(p-٨١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَإنَّهم لَمُحْضَرُونَ﴾ النّارَ، ﴿إلا عِبادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ﴾ الَّذِينَ لَمْ يُكَذِّبُوهُ، فَإنَّهم لا يُحْضَرُونَ النّارَ.
الإشارَةُ إلى القِصَّةِ
ذَكَرَ أهْلُ العِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ والسِّيَرِ أنَّهُ لَمّا كَثُرَتِ الأحْداثُ بَعْدَ قَبْضِ حَزْقِيلَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وعُبِدَتِ الأوْثانُ، بَعَثَ اللَّهُ تَعالى إلَيْهِمْ إلْياسَ، قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وهو إلْياسُ بْنُ تَشِبِّي بْنِ فِنْحاصِ بْنِ العَيْزارِ بْنِ هارُونَ بْنِ عِمْرانَ، فَجَعَلَ يَدْعُوهم فَلا يَسْمَعُونَ مِنهُ، فَدَعا عَلَيْهِمْ بِحَبْسِ المَطَرِ، فَجَهِدُوا جُهْدًا شَدِيدًا، واسْتَخْفى إلْياسُ خَوْفًا مِنهم عَلى نَفْسِهِ. ثُمَّ إنَّهُ قالَ لَهم يَوْمًا: إنَّكم قَدْ هَلَكْتُمْ جُهْدًا، وهَلَكَتِ البَهائِمُ والشَّجَرُ بِخَطاياكُمْ، فاخْرُجُوا بِأصْنامِكم وادْعُوها، فَإنِ اسْتَجابَتْ لَكُمْ، فالأمْرُ كَما تَقُولُونَ، وإنْ لَمْ تَفْعَلْ، عَلِمْتُمْ أنَّكم عَلى باطِلٍ فَنَزَعْتُمْ عَنْهُ، ودَعَوْتُ اللَّهَ فَفَرَّجَ عَنْكُمْ، فَقالُوا: أنْصَفْتَ، فَخَرَجُوا بِأصْنامِهِمْ وأوْثانِهِمْ، فَدَعَوا فَلَمْ يَسْتَجِبْ لَهُمْ، فَعَرَفُوا ضَلالَهُمْ، فَقالُوا: ادْعُ اللَّهَ لَنا، فَدَعا لَهُمْ، فَأرْسَلَ المَطَرَ وعاشَتْ بِلادُهُمْ، فَلَمْ يَنْزِعُوا عَمّا كانُوا عَلَيْهِ، فَدَعا إلْياسُ رَبَّهُ أنْ يَقْبِضَهُ إلَيْهِ ويُرِيحَهُ مِنهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: اخْرُجْ يَوْمَ كَذا إلى مَكانِ كَذا، فَما جاءَكَ مِن شَيْءٍ فارْكَبْهُ ولا تَهَبْهُ، فَخَرَجَ، فَأقْبَلَ فَرَسٌ مِن نارٍ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ، فانْطَلَقَ بِهِ، وكَساهُ اللَّهُ الرِّيشَ وألْبَسَهُ النُّورَ وقَطَعَ عَنْهُ لَذَّةَ المَطْعَمِ والمَشْرَبِ، فَطارَ في المَلائِكَةِ، فَكانَ إنْسِيًّا مَلَكِيًّا، أرْضِيًّا سَماوِيًّا.
(p-٨٢)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَلامٌ عَلى إلْ ياسِينَ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وعاصِمٌ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "إلْياسِينَ" مَوْصُولَةً مَكْسُورَةَ الألْفِ ساكِنَةَ اللّامِ، فَجَعَلُوها كَلِمَةً واحِدَةً؛ وقَرَأ الحَسَنُ مِثْلَهُمْ، إلّا أنَّهُ فَتَحَ الهَمْزَةَ. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وعَبْدُ الوارِثِ، ويَعْقُوبُ إلّا زَيْدًا: "إلْ ياسِينَ" مَقْطُوعَةً، فَجَعَلُوها كَلِمَتَيْنِ.
وَفِي قِراءَةِ الوَصْلِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ جَمَعَ لِهَذا النَّبِيِّ وأُمَّتَهُ المُؤْمِنِينَ بِهِ، وكَذَلِكَ يَجْمَعُ ما يُنْسَبُ إلى الشَّيْءِ بِلَفْظِ الشَّيْءِ، فَتَقُولُ: رَأيْتُ المَهالِبَةَ، تُرِيدُ: بَنِي المُهَلَّبِ، وُالمَسامِعَةَ، تُرِيدُ: بَنِي مَسْمَعٍ.
والثّانِي: أنَّهُ اسْمُ النَّبِيِّ وحْدَهُ، وهو اسْمٌ عِبْرانِيٌّ، والعَجَمِيُّ مِنَ الأسْماءِ قَدْ يُفْعَلُ بِهِ هَكَذا، [كَما] تَقُولُ: مِيكالَ ومِيكائِيلَ، ذَكَرَ القَوْلَيْنِ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ.
فَأمّا قِراءَةُ مَن قَرَأ: "إلْ ياسِينَ" مَفْصُولَةً، فَفِيها قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهم آَلُ هَذا النَّبِيِّ المَذْكُورِ، وهو يَدْخُلُ فِيهِمْ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: « "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى آَلِ أبِي أوْفى"،» فَهو داخِلٌ فِيهِمْ، لِأنَّهُ هو المُرادُ بِالدُّعاءِ.
(p-٨٣)(p-٨٤)والثّانِي: أنَّهم آَلُ مُحَمَّدٍ ﷺ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. وكانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ: "سَلامٌ عَلى إدْراسِينَ" وقَدْ بَيَّنّا مَذْهَبَهُ في أنَّ إلْياسَ هو إدْرِيسُ.
فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ قالَ: "إدْراسِينَ" وإنَّما الواحِدُ إدْرِيسُ، والمَجْمُوعُ إدْرِيسِيُّ، لا إدْراسٌ ولا إدْراسَيُّ؟
فالجَوابُ: أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ لُغَةً، كَإبْراهِيمَ إبْراهامَ، ومِثْلُهُ:
؎ قَدْنِي مَن نَصَرَ الخُبَيْبَيْنِ قَدِي
وَقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وأبُو نَهْيِكٍ: "سَلامٌ عَلى ياسِينَ" بِحَذْفِ الهَمْزَةِ واللّامِ.
{"ayahs_start":114,"ayahs":["وَلَقَدۡ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ","وَنَجَّیۡنَـٰهُمَا وَقَوۡمَهُمَا مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِیمِ","وَنَصَرۡنَـٰهُمۡ فَكَانُوا۟ هُمُ ٱلۡغَـٰلِبِینَ","وَءَاتَیۡنَـٰهُمَا ٱلۡكِتَـٰبَ ٱلۡمُسۡتَبِینَ","وَهَدَیۡنَـٰهُمَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ","وَتَرَكۡنَا عَلَیۡهِمَا فِی ٱلۡـَٔاخِرِینَ","سَلَـٰمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ","إِنَّا كَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ","إِنَّهُمَا مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","وَإِنَّ إِلۡیَاسَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ","إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ أَلَا تَتَّقُونَ","أَتَدۡعُونَ بَعۡلࣰا وَتَذَرُونَ أَحۡسَنَ ٱلۡخَـٰلِقِینَ","ٱللَّهَ رَبَّكُمۡ وَرَبَّ ءَابَاۤىِٕكُمُ ٱلۡأَوَّلِینَ","فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمۡ لَمُحۡضَرُونَ","إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِینَ","وَتَرَكۡنَا عَلَیۡهِ فِی ٱلۡـَٔاخِرِینَ","سَلَـٰمٌ عَلَىٰۤ إِلۡ یَاسِینَ","إِنَّا كَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ","إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"إِنَّهُمَا مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق