الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْواهِهِمْ﴾ وقَرَأ أبُو المُتَوَكِّلِ، وأبُو الجَوْزاءِ: "يَخْتِمُ" بِياءٍ مَضْمُومَةٍ وفَتْحِ التّاءِ "وَتُكَلِّمُنا" قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: "وَلِتُكَلِّمُنا" بِزِيادَةِ لامٍ مَكْسُورَةٍ وفَتْحِ المِيمِ وواوٍ قَبْلَ اللّامِ. وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "لِتُكَلِّمُنا" بِلامٍ مَكْسُورَةٍ مِن غَيْرِ واوٍ قَبْلَها وبِنَصْبِ المِيمِ؛ وقَرَؤُوا جَمِيعًا: "وَلِتَشْهَدَ أرْجُلُهُمْ" بِلامٍ مَكْسُورَةٍ وبِنَصْبِ الدّالِّ. وَمَعْنى "نَخْتِمُ": نَطْبَعُ عَلَيْها، وقِيلَ: مَنعُها مِنَ الكَلامِ هو الخَتْمُ عَلَيْها، وفي سَبَبِ ذَلِكَ أرْبَعَةُ أقَوْالٍ. أحَدُها: أنَّهم لَمّا قالُوا: ﴿واللَّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنْعامِ: ٢٣] خَتَمَ اللَّهُ عَلى أفْواهِهِمْ ونَطَقَتْ جَوارِحُهُمْ، قالَهُ أبُو مُوسى الأشْعَرِيُّ. والثّانِي: لِيَعْلَمُوا أنَّ أعْضاءَهُمُ الَّتِي كانَتْ أعْوانًا لَهم عَلى المَعاصِي صارَتْ شُهُودًا [عَلَيْهِمْ] . (p-٣٢)والثّالِثُ: لِيَعْرِفَهم أهْلُ المَوْقِفِ، فَيَتَمَيَّزُوا مِنهم بِذَلِكَ. والرّابِعُ: لِأنَّ إقْرارَ الجَوارِحِ أبْلَغُ في الإقْرارِ مِن نُطْقِ اللِّسانِ، ذَكَرَهُنَّ الماوَرْدِيُّ. فَإنْ قِيلَ: ما الحِكْمَةُ في تَسْمِيَةِ نُطْقِ اليَدِ كَلامًا ونُطْقِ الرِّجْلِ شَهادَةً؟ فالجَوابُ: أنَّ اليَدَ كانَتْ مُباشِرَةً والرِّجْلَ حاضِرَةٌ، وقَوْلُ الحاضِرِ عَلى غَيْرِهِ شَهادَةٌ بِما رَأى، وقَوْلُ الفاعِلِ عَلى نَفْسِهِ إقْرارٌ بِما فَعَلَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أعْيُنِهِمْ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقَوْالٍ. أحَدُها: ولَوْ نَشاءُ لَأذْهَبْنا أعْيُنَهم حَتّى لا يَبْدُوَ لَها شِقٌّ ولا جَفْنٌ. والمَطْمُوسُ: الَّذِي لا يَكُونُ بَيْنَ جَفْنَيْهِ شَقٌّ، ﴿فاسْتَبَقُوا الصِّراطَ﴾ أيْ: فَتُبادِرُوا إلى الطَّرِيقِ ﴿فَأنّى يُبْصِرُونَ﴾ [أيْ]: فَكَيْفَ يُبْصِرُونَ وقَدْ أعْمَيْنا أعْيُنَهُمْ؟! وقَرَأ أبُو بَكْرٍ الصَّدِيقُ، وعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرُ، وأبُو رَجاءٍ: "فاسْتَبْقَوْا" بِكَسْرِ الباءِ "فَأنّى تُبْصِرُونَ" بِالتّاءِ. وهَذا تَهْدِيدٌ لِأهْلِ مَكَّةَ، وهو قَوْلُ الأكْثَرِينَ. والثّانِي: ولَوْ نَشاءُ لَأضْلَلْناهم وأعْمَيْناهم عَنِ الهُدى، فَأنّى يُبْصِرُونَ الحَقَّ؟! رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: ولَوْ نَشاءُ لَفَقَأْنا أعْيُنَ ضَلالَتِهِمْ وأعْمَيْناهم عَنْ غَيِّهِمْ وحَوَّلْنا أبْصارَهم مِنَ الضَّلالَةِ إلى الهُدى فَأبْصَرُوا رُشْدَهُمْ، فَأنّى يُبْصِرُونَ ولَمْ أفْعَلْ ذَلِكَ بِهِمْ؟! رُوِيَ عَنْ جَماعَةٍ مِنهم مُقاتِلٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهم عَلى مَكانَتِهِمْ﴾ ورَوى أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: "عَلى مَكاناتِهِمْ"؛ وقَدْ سَبَقَ بَيانُ هَذا [البَقَرَةِ: ٦٥] . (p-٣٣)وَفِي المُرادِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَمَسَخْناهُمْ﴾ أرْبَعَةُ أقَوْالٍ أحَدُها: لَأهْلَكْناهُمْ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: لَأقْعَدْناهم عَلى أرْجُلِهِمْ، قالَهُ الحَسَنُ، وقَتادَةُ. والثّالِثُ: لَجَعَلْناهم حِجارَةً، قالَهُ أبُو صالِحٍ، ومُقاتِلٌ. والرّابِعُ: لَجَعَلْناهم قِرَدَةً وخَنازِيرَ لا أرْواحَ فِيها، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿فَما اسْتَطاعُوا مُضِيًّا ولا يَرْجِعُونَ﴾ ثَلاثَةُ أقَوْالٍ. أحَدُها: فَما اسْتَطاعُوا أنْ يَتَقَدَّمُوا ولا أنْ يَتَأخَّرُوا، قالَهُ قَتادَةُ. والثّانِي: فَما اسْتَطاعُوا مُضِيًّا عَنِ العَذابِ، ولا رُجُوعًا إلى الخِلْقَةِ الأُولى بَعْدَ المَسْخِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. والثّالِثُ: مُضِيًّا مِنَ الدُّنْيا ولا رُجُوعًا إلَيْها، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ في الخَلْقِ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ: "نُنَكِّسُهُ" مُشَدَّدَةً مَعَ ضَمِّ النُّونِ الأُولى وفَتْحِ الثّانِيَةِ؛ والباقُونَ: بِفَتْحِ النُّونِ الأُولى وتَسْكِينِ الثّانِيَةِ مِن غَيْرِ تَشْدِيدٍ؛ وعَنْ عاصِمٍ كالقِراءَتَيْنِ. ومَعْنى الكَلامِ: مَن نُطِلْ عُمْرَهُ نُنَكِّسْ خَلْقَهُ، فَنَجْعَلُ مَكانَ القُوَّةِ الضَّعْفَ، وبَدَلَ الشَّبابِ الهَرَمِ، فَنَرُدُّهُ إلى أرْذَلِ العُمُرِ. ﴿أفَلا يَعْقِلُونَ﴾ قَرَأ نافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو: "أفَلا تَعْقِلُونَ" بِالتّاءِ، والباقُونَ بِالياءِ. والمَعْنى: أفَلا يَعْقِلُونَ أنَّ مَن فَعَلَ هَذا قادِرٌ عَلى البَعْثِ؟!
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب