الباحث القرآني
(p-١٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا حَسْرَةً عَلى العِبادِ﴾ قالَ الفَرّاءُ: المَعْنى: يالَها حَسْرَةً عَلى العِبادِ. وقالَ الزَّجّاجُ: الحَسْرَةُ أنْ يَرْكَبَ الإنْسانُ مِن شِدَّةِ النَّدَمِ ما لا نِهايَةَ لَهُ حَتّى يَبْقى قَلْبُهُ حَسِيرًا. وفي المُتَحَسِّرِ عَلى العِبادِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهم يَتَحَسَّرُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ، قالَ مُجاهِدٌ والزَّجّاجُ: اسْتِهْزاؤُهم بِالرُّسُلِ كانَ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ في الآَخِرَةِ. وقالَ أبُو العالِيَةَ: لَمّا عايَنُوا العَذابَ، قالُوا: يا حَسْرَتَنا عَلى المُرْسَلِينَ، كَيْفَ لَنا بِهِمُ الآَنَ حَتّى نُؤْمِنَ.
والثّانِي: أنَّهُ تَحَسَّرُ المَلائِكَةِ عَلى العِبادِ في تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
ثُمَّ خَوَّفَ كُفّارَ مَكَّةَ فَقالَ: ﴿ألَمْ يَرَوْا﴾ أيْ: ألَمْ يَعْلَمُوا ﴿كَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِنَ القُرُونِ﴾ فَيَعْتَبِرُوا ويَخافُوا أنْ نُعَجِّلَ لَهُمُ الهَلاكَ كَما عَجَّلَ لِمَن أهْلَكَ قَبْلَهم ولَمْ يَرْجِعُوا إلى الدُّنْيا؟! . قالَ الفَرّاءُ: وألِفُ "أنَّهُمْ" مَفْتُوحَةٌ، لِأنَّ المَعْنى: ألَمْ يَرَوْا أنَّهم إلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ وقَدْ كَسَرَها الحَسَنُ، كَأنَّهُ لَمْ يُوقِعِ الرُّؤْيَةَ عَلى "كَمْ"، فَلَمْ يُقِعْها عَلى "أنَّ"، وإنِ اسْتَأْنَفَتْها كَسَرْتَها.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ كُلٌّ لَمّا﴾ وقَرَأ عاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ: "لَمّا" بِالتَّشْدِيدِ، ﴿جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ﴾ أيْ: إنَّ الأُمَمَ يَحْضُرُونَ يَوْمَ القِيامَةِ، فَيُجازَوْنَ بِأعْمالِهِمْ. قالَ الزَّجّاجُ: مَن قَرَأ "لَما" بِالتَّخْفِيفِ، فَـ "ما" زائِدَةٌ مُؤَكَّدَةٌ، والمَعْنى: وإنَّ كُلًّا لِجَمِيعٌ، ومَعْناهُ: وما كُلٌّ إلّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ. ومَن قَرَأ "لَمّا" بِالتَّشْدِيدِ، فَهو بِمَعْنى "إلّا"، تَقُولُ: "سَألْتُكَ لِما فَعَلْتَ" و "إلّا فَعَلَتْ"٠
(p-١٦)﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ المَيْتَةُ﴾ وقَرَأ نافِعٌ: "المَيِّتَةُ" بِالتَّشْدِيدِ، وهو الأصْلُ، والتَّخْفِيفُ أكْثَرُ، وكِلاهُما جائِزٌ؛ و "آَيَةٌ" مَرْفُوعَةٌ بِالِابْتِداءِ، وخَبَرُها "لَهُمْ"، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرُها "الأرْضُ المَيْتَةُ"؛ والمَعْنى: وعَلامَةٌ تَدُلُّهم عَلى التَّوْحِيدِ وأنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ المَوْتى أحْياءَ الأرْضِ المَيْتَةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمِنهُ يَأْكُلُونَ﴾ يَعْنِي ما يُقْتاتُ مِنَ الحُبُوبِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنا فِيها﴾ وقَوْلُهُ: ﴿وَفَجَّرْنا فِيها﴾ يَعْنِي في الأرْضِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ﴾ يَعْنِي النَّخِيلَ، وهو في اللَّفْظِ مُذَكَّرٌ.
﴿وَما عَمِلَتْهُ أيْدِيهِمْ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: "عَمِلَتْهُ" بَهاءٍ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: "عَمِلَتْ" بِغَيْرِ هاءٍ. والهاءُ مُثْبْتَةٌ في مَصاحِفِ مَكَّةَ والمَدِينَةِ والشّامِ والبَصْرَةِ، ومَحْذُوفَةٌ مِن مَصاحِفِ أهْلِ الكُوفَةِ. قالَ الزَّجّاجُ: مَوْضِعُ "ما" خَفْضٌ؛ والمَعْنى: لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومِمّا عَمِلَتْهُ أيْدِيهِمْ؛ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ "ما" نَفْيًا؛ المَعْنى: ولَمْ تَعْمَلْهُ أيْدِيهِمْ، وهَذا عَلى قِراءَةِ مَن أثْبَتَ الهاءَ، فَإذا حُذِفَتِ الهاءُ، فالِاخْتِيارُ أنْ تَكُونَ "ما" في مَوْضِعِ خَفْضٍ، وتَكُونُ بِمَعْنى "الَّذِي" فَيَحْسُنُ حَذْفُ الهاءِ؛ وكَذَلِكَ ذَكَرَ المُفَسِّرُونَ القَوْلَيْنِ، فَمَن قالَ بِالأوَّلِ، قالَ: لِيَأْكُلُوا مِمّا عَمِلَتْ أيْدِيهِمْ، وهو الغُرُوسُ والحُرُوثُ الَّتِي تَعِبُوا فِيها، ومَن قالَ بِالثّانِي، قالَ: لِيَأْكُلُوا ما لَيْسَ مِن صُنْعِهِمْ، ولَكِنَّهُ مَن فِعْلِ الحَقِّ عَزَّ وجَلَّ ﴿أفَلا يَشْكُرُونَ﴾ اللَّهُ تَعالى فَيُوَحِّدُوهُ؟! .
ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْواجَ كُلَّها﴾ يَعْنِي الأجْناسَ كُلَّها ﴿مِمّا تُنْبِتُ الأرْضُ﴾ مِنَ الفَواكِهِ والحُبُوبِ وغَيْرِ ذَلِكَ.
(p-١٧)﴿وَمِن أنْفُسِهِمْ﴾ وهُمُ الذُّكُورُ والإناثُ ﴿وَمِمّا لا يَعْلَمُونَ﴾ مِن دَوابِّ البَرِّ والبَحْرِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا لَمْ يَقِفُوا عَلى عِلْمِهِ.
{"ayahs_start":30,"ayahs":["یَـٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ مَا یَأۡتِیهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ","أَلَمۡ یَرَوۡا۟ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ أَنَّهُمۡ إِلَیۡهِمۡ لَا یَرۡجِعُونَ","وَإِن كُلࣱّ لَّمَّا جَمِیعࣱ لَّدَیۡنَا مُحۡضَرُونَ","وَءَایَةࣱ لَّهُمُ ٱلۡأَرۡضُ ٱلۡمَیۡتَةُ أَحۡیَیۡنَـٰهَا وَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهَا حَبࣰّا فَمِنۡهُ یَأۡكُلُونَ","وَجَعَلۡنَا فِیهَا جَنَّـٰتࣲ مِّن نَّخِیلࣲ وَأَعۡنَـٰبࣲ وَفَجَّرۡنَا فِیهَا مِنَ ٱلۡعُیُونِ","لِیَأۡكُلُوا۟ مِن ثَمَرِهِۦ وَمَا عَمِلَتۡهُ أَیۡدِیهِمۡۚ أَفَلَا یَشۡكُرُونَ","سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَ ٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ وَمِنۡ أَنفُسِهِمۡ وَمِمَّا لَا یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"یَـٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ مَا یَأۡتِیهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق