الباحث القرآني

ثُمَّ أخْبَرَ عَمّا يَقُولُونَ عِنْدَ دُخُولِها، وهو قَوْلُهُ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ﴾ الحَزَنُ و الحُزْنُ واحِدٌ، كالبَخَلِ والبُخْلِ. وَفِي المُرادِ بِهَذا الحَزَنِ خَمْسَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ الحُزْنُ لِطُولِ المُقامِ في المَحْشَرِ. رَوى أبُو الدَّرْداءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: " «أمّا السّابِقُ، فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ، وأمّا المُقْتَصِدُ، فَيُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا، وأمّا الظّالِمُ لِنَفْسِهِ، فَإنَّهُ حَزِينٌ في ذَلِكَ المُقامِ» "، فَهو الحُزْنُ والغَمُّ، وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي (p-٤٩٢)أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ﴾ . والثّانِي: أنَّهُ الجُوعُ، رَواهُ أبُو الدَّرْداءِ أيْضًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، [وَلا يَصِحُّ]، وبِهِ قالَ شَمَّرُ بْنُ عَطِيَّةَ. وفي لَفْظٍ عَنْ شَمَّرَ أنَّهُ قالَ: الحَزَنُ: هُمُّ الخُبْزِ، وكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّهُ قالَ: الحَزَنُ: هَمُّ الخُبْزِ في الدُّنْيا. والثّالِثُ: أنَّهُ حَزَنُ النّارِ، رَواهُ أبُو الجَوْزاءِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والرّابِعُ: حُزْنُهم في الدُّنْيا عَلى ذُنُوبٍ سَلَفَتْ مِنهُمْ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والخامِسُ: حُزْنُ المَوْتِ، قالَهُ عَطِيَّةُ. والآيَةُ عامَّةٌ في هَذِهِ الأقْوالِ وغَيْرِها، ومِنَ القَبِيحِ تَخْصِيصُ هَذا الحَزَنَ بِالخُبْزِ وما يُشْبِهُهُ، وإنَّما حَزِنُوا عَلى ذُنُوبِهِمْ وما يُوجِبُهُ الخَوْفُ. (p-٤٩٣)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِي أحَلَّنا﴾ أيْ: أنْزَلْنا ﴿دارَ المُقامَةِ﴾ قالَ الفَرّاءُ: المُقامَةُ هي الإقامَةُ، والمَقامَةُ: المَجْلِسُ، بِالفَتْحِ لا غَيْرُ، قالَ الشّاعِرُ: ؎ يَوْمانِ يَوْمُ مَقاماتٍ وأنْدِيَةٍ ويَوْمُ سَيْرٍ إلى الأعْداءِ تَأْوِيبِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: أيْ: بِتَفَضُّلِهِ، لا بِأعْمالِنا. والنَّصَبُ: التَّعَبُ. واللُّغُوبُ: الإعْياءُ مِنَ التَّعَبِ. ومَعْنى " لُغُوبٍ ": شَيْءٌ يُلْغِبُ؛ أيْ: لا نَتَكَلَّفُ شَيْئًا نُعَنّى مِنهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا﴾ أيْ: يَهْلَكُونَ فَيَسْتَرِيحُوا مِمّا هم فِيهِ، ومِثْلُهُ: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ﴾ [القَصَصِ: ٥١ِ] . (p-٤٩٤)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ وقَرَأ أبُو عَمْرٍو: " يُجْزى " بِالياءِ " كُلُّ " بِرَفْعِ اللّامِ. وقَرَأ الباقُونَ: " نَجْزِي " بِالنُّونِ " كُلَّ " بِنَصْبِ اللّامِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهم يَصْطَرِخُونَ فِيها﴾ وهو افْتِعالٌ مِنَ الصُّراخِ: والمَعْنى: يَسْتَغِيثُونَ، فَيَقُولُونَ: ﴿رَبَّنا أخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحًا﴾ أيْ: نُوَحِّدُكَ ونُطِيعُكَ ﴿غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ﴾ مِنَ الشِّرْكِ والمَعاصِي؛ فَوَبَّخَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿أوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: مَعْناهُ التَّقْرِيرُ، ولَيْسَ بِاسْتِفْهامٍ؛ والمَعْنى: أوْ لَمْ نُعَمِّرْكم عُمُرًا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذْكَّرَ؟! وَفِي مِقْدارِ هَذا التَّعْمِيرِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ سَبْعُونَ سَنَةً، قالَ ابْنُ عُمَرَ: هَذِهِ الآيَةُ تَعْبِيرٌ لِأبْناءِ السَّبْعِينَ. والثّانِي: أرْبَعُونَ سَنَةً. والثّالِثُ: سِتُّونَ سَنَةً، رَواهُما مُجاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِالأوَّلِ مِنهُما قالَ الحَسَنُ، وابْنُ السّائِبِ. والرّابِعُ: ثَمانِي عَشْرَةَ سَنَةً، قالَهُ عَطاءٌ، ووَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وأبُو العالِيَةِ، وقَتادَةُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ الشَّيْبُ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وعِكْرِمَةُ، وسُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ؛ والمَعْنى: أوْ لَمْ نُعَمِّرْكم حَتّى شِبْتُمْ؟! . والثّانِي: النَّبِيُّ ﷺ، قالَهُ قَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ، (p-٤٩٥)وابْنُ السّائِبِ، ومُقاتِلٌ. والثّالِثُ: مَوْتُ الأهْلِ والأقارِبِ. والرّابِعُ: الحُمّى، ذَكَرَهُما الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَذُوقُوا﴾ يَعْنِي: العَذابَ ﴿فَما لِلظّالِمِينَ مِن نَصِيرٍ﴾ أيْ: مِن مانِعٍ يَمْنَعُ عَنْهم. وما بَعْدَ هَذا قَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ [المائِدَةِ: ٧] إلى قَوْلِهِ: ﴿خَلائِفَ في الأرْضِ﴾ وهي الأُمَّةُ الَّتِي خَلَفَتْ مَن قَبْلَها ورَأتْ فِيمَن تَقَدَّمَها ما يَنْبَغِي أنْ تَعْتَبِرَ بِهِ ﴿فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ أيْ: جَزاءُ كُفْرِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب