الباحث القرآني

(p-٤٥٧)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّةَ ﴿لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذا القُرْآنِ ولا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ يَعْنُونَ التَّوْراةَ والإنْجِيلَ، وذَلِكَ أنَّ مُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابِ قالُوا: إنَّ صِفَةَ مُحَمَّدٍ في كِتابِنا، فَكَفَرَ أهْلُ مَكَّةَ بِكِتابِهِمْ. ثُمَّ أخْبَرَ عَنْ حالِهِمْ في القِيامَةِ فَقالَ: ﴿وَلَوْ تَرى إذِ الظّالِمُونَ﴾ يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّةَ ﴿مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ في الآخِرَةِ ﴿يَرْجِعُ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ القَوْلَ﴾ أيْ: يَرُدُّ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ في الجِدالِ واللَّوْمِ ﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ وهُمُ الأتْباعُ ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ وهُمُ الأشْرافُ والقادَةُ: ﴿لَوْلا أنْتُمْ لَكُنّا مُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: مُصَدِّقِينَ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ؛ والمَعْنى: أنْتُمْ مَنَعْتُمُونا عَنِ الإيمانِ؛ فَأجابَهُمُ المَتْبُوعُونَ فَقالُوا: ﴿أنَحْنُ صَدَدْناكم عَنِ الهُدى﴾ أيْ: مَنَعْناكم عَنِ الإيمانِ ﴿بَعْدَ إذْ جاءَكُمْ﴾ بِهِ الرَّسُولُ؟ ﴿بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ﴾ بِتَرْكِ الإيمانِ- وفي هَذا تَنْبِيهٌ لِلْكُفّارِ عَلى أنَّ طاعَةَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ في الدُّنْيا تَصِيرُ سَبَبًا لِلْعَداوَةِ في الآخِرَةِ- فَرَدَّ عَلَيْهِمُ الأتْباعُ فَقالُوا: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ أيْ: بَلْ مَكْرُكم بِنا في اللَّيْلِ والنَّهارِ. قالَ الفَرّاءُ: (p-٤٥٨)وَهَذا مِمّا تَتَوَسَّعُ فِيهِ العَرَبُ لِوُضُوحِ مَعْناهُ، كَما يَقُولُونَ: لَيْلُهُ قائِمٌ، ونَهارُهُ صائِمٌ، فَتُضِيفُ الفِعْلَ إلى غَيْرِ الآدَمِيِّينَ، والمَعْنى لَهم. وقالَ الأخْفَشُ: وهَذا كَقَوْلِهِ: ﴿مِن قَرْيَتِكَ الَّتِي أخْرَجَتْكَ﴾ [مُحَمَّدٍ: ١٣] قالَ جَرِيرٌ: ؎ لَقَدْ لُمْتِنا يا أمَّ غِيلانَ في السُّرى ونِمْتِ وما لَيْلُ المَطِيِّ بِنائِمِ وَقَرَأ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وأبُو الجَوْزاءِ، وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ: " بَلْ مَكَرَ " بِفَتْحِ الكافِ والرّاءِ " اللَّيْلُ والنَّهارُ " بِرَفْعِهِما. وقَرَأ ابْنُ يَعْمَرَ: " بَلْ مَكْرٌ " بِإسْكانِ الكافِ ورَفْعِ الرّاءِ وتَنْوِينِها " اللَّيْلَ والنَّهارَ " بِنَصْبِهِما. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذْ تَأْمُرُونَنا أنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ﴾ وذَلِكَ أنَّهم كانُوا يَقُولُونَ لَهُمْ: إنَّ دِينَنا حَقٌّ ومُحَمَّدٌ كَذّابٌ، ﴿وَأسَرُّوا النَّدامَةَ﴾ وقَدْ سَبَقَ بَيانُهُ في (يُونُسَ: ٥٤) . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنا الأغْلالَ في أعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ إذا دَخَلُوا جَهَنَّمَ غُلَّتْ أيْدِيهِمْ إلى أعْناقِهِمْ، وقالَتْ لَهم خَزَنَةُ جَهَنَّمَ: هَلْ تُجْزَوْنَ إلّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ في الدُّنْيا. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: مَجازُ " هَلْ " هاهُنا مَجازُ الإيجابِ، ولَيْسَ بِاسْتِفْهامٍ؛ والمَعْنى: ما تُجْزَوْنَ إلّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب