الباحث القرآني

﴿غُدُوُّها شَهْرٌ﴾ قالَ قَتادَةُ: تَغْدُو مَسِيرَةَ شَهْرٍ إلى نِصْفِ النَّهارِ، وتَرُوحُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إلى آخِرِ النَّهارِ، فَهي تَسِيرُ في اليَوْمِ الواحِدِ مَسِيرَةَ شَهْرَيْنِ. قالَ الحَسَنُ: لَمّا شَغَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمانَ الخَيْلُ عَنِ الصَّلاةِ فَعَقَرَها، أبْدَلَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنها وأسْرَعَ وهي الرِّيحُ، فَكانَ يَغْدُو مِن دِمَشْقَ فَيَقِيلُ بِإصْطَخْرَ وبَيْنَهُما مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْمُسْرِعِ، ثُمَّ يَرُوحُ مِن إصَطَخْرَ فَيَبِيتُ بِكابُلَ، وبَيْنَهُما مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْمُسْرِعِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأسَلْنا لَهُ عَيْنَ القِطْرِ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: القِطْرُ: النُّحاسُ، وهو الصُّفْرُ، أُذِيبَ مُذْ ذاكَ وكانَ قَبْلَ سُلَيْمانَ لا يَذُوبُ. قالَ المُفَسِّرُونَ: أجْرى اللَّهُ لِسُلَيْمانَ عَيْنَ الصُّفْرِ حَتّى صَنَعَ مِنها ما أرادَ مِن غَيْرِ نارٍ، كَما أُلِينَ لِداوُدَ الحَدِيدُ بِغَيْرِ نارٍ، فَبَقِيَتْ تَجْرِي ثَلاثَةَ أيّامٍ ولَيالِيَهُنَّ كَجَرْيِ الماءِ؛ وإنَّما يَعْمَلُ النّاسُ اليَوْمَ مِمّا أُعْطِي سُلَيْمانُ. (p-٤٣٩)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِنَ الجِنِّ﴾ المَعْنى: وسَخَّرْنا لَهُ مِنَ الجِنِّ ﴿مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإذْنِ رَبِّهِ﴾ أيْ: بِأمْرِهِ؛ سَخَّرَهُمُ اللَّهُ لَهُ، وأمَرَهم بِطاعَتِهِ؛ والكَلامُ يَدُلُّ عَلى أنَّ مِنهم مَن لَمْ يُسَخَّرْ لَهُ ﴿وَمَن يَزِغْ مِنهُمْ﴾ أيْ: يَعْدِلْ ﴿عَنْ أمْرِنا﴾ لَهُ بِطاعَةِ سُلَيْمانَ ﴿نُذِقْهُ مِن عَذابِ السَّعِيرِ﴾؛ وهَلْ هَذا في الدُّنْيا، أمْ في الآخِرَةِ؟ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: في الآخِرَةِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. والثّانِي: في الدُّنْيا، قالَهُ مُقاتِلٌ. وقِيلَ: إنَّهُ كانَ مَعَ سُلَيْمانَ مَلَكٌ بِيَدِهِ سَوْطٌ مِن نارٍ، فَمَن زاغَ مِنَ الجِنِّ ضَرَبَهُ المَلَكُ بِذَلِكَ السَّوْطِ. ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِن مَحارِيبَ﴾ وفِيها ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّها المَساجِدُ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وابْنُ قُتَيْبَةَ. والثّانِي: القُصُورُ، قالَهُ عَطِيَّةُ. والثّالِثُ: المَساجِدُ والقُصُورُ، قالَهُ قَتادَةُ. وأمّا التَّماثِيلُ، فَهي الصُّوَرُ؛ قالَ الحَسَنُ: ولَمْ تَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُحَرَّمَةً؛ ثُمَّ فِيها قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها كانَتْ كالطَّواوِيسِ والعُقْبانِ والنُّسُورِ عَلى كُرْسِيِّهِ ودَرَجاتِ سَرِيرِهِ لِكَيْ يَهابَها مَن أرادَ الدُّنُوَّ مِنهُ، قالَهُ الضَّحّاكُ. والثّانِي: أنَّها كانَتْ صُوَرُ النَّبِيِّينَ والمَلائِكَةِ لِكَيْ يَراهُمُ النّاسُ مُصَوَّرِينَ، فَيَعْبُدُوا مِثْلَ عِبادَتِهِمْ ويَتَشَبَّهُوا بِهِمْ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. وَفِي ما كانُوا يَعْمَلُونَها مِنهُ قَوْلانِ. أحَدُهُما: مِنَ النُّحاسِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّانِي: مِنَ الرُّخامِ والشَّبَهِ، قالَهُ قَتادَةُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجِفانٍ كالجَوابِ﴾ الجِفانُ: جَمْعُ جَفْنَةٍ، وهي القَصْعَةُ الكَبِيرَةُ؛ والجَوابِي؛ جَمْعُ جابِيَةٍ، وهي الحَوْضُ الكَبِيرُ يُجْبى فِيهِ الماءُ، أيْ: يُجْمَعُ. (p-٤٤٠)قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو: " كالجَوابِي " بِياءٍ، إلّا أنَّ ابْنَ كَثِيرٍ يُثْبِتُ الياءَ في الوَصْلِ والوَقْفِ، وأبُو عَمْرٍو يُثْبِتُها في الوَصْلِ دُونَ الوَقْفِ. قالَ الزَّجّاجُ: وأكْثَرُ القُرّاءِ عَلى الوَقْفِ بِغَيْرِ ياءٍ، وكانَ الأصْلُ الوَقْفَ بِالياءِ، إلّا أنَّ الكَسْرَةَ تَنُوبُ عَنْها. قالَ المُفَسِّرُونَ: كانُوا يَصْنَعُونَ [لَهُ] القِصاعَ كَحِياضِ الإبِلِ، يَجْتَمِعُ عَلى القَصْعَةِ الواحِدَةِ ألْفُ رَجُلٍ يَأْكُلُونَ مِنها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقُدُورٍ راسِياتٍ﴾ أيْ: ثَوابِتُ؛ يُقالُ: رَسا يَرْسُو: إذا ثَبَتَ. وَفِي عِلَّةِ ثُبُوتِها في مَكانِها قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنْ أثافِيَّها مِنها، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّها لا تُنْزَلُ لِعِظَمِها، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. قالَ المُفَسِّرُونَ: وكانَتِ القُدُورُ كالجِبالِ لا تُحَرَّكُ مِن أماكِنِها، يَأْكُلُ مِنَ القِدْرِ ألْفُ رَجُلٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْرًا﴾ المَعْنى: وقُلْنا: اعْمَلُوا بِطاعَةِ اللَّهِ شُكْرًا لَهُ عَلى ما آتاكم. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا قَضَيْنا عَلَيْهِ المَوْتَ﴾ يَعْنِي عَلى سُلَيْمانَ. (p-٤٤١)قالَ المُفَسِّرُونَ: كانَتِ الإنْسُ تَقُولُ: إنَّ الجِنَّ تَعْلَمُ الغَيْبَ الَّذِي يَكُونُ في غَدٍ، فَوَقَفَ سُلَيْمانُ في مِحْرابِهِ يُصَلِّي مُتَوَكِّئًا عَلى عَصاهُ، فَماتَ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ حَوْلًا والجِنُّ تَعْمَلُ تِلْكَ الأعْمالَ الشّاقَّةَ ولا تَعْلَمُ بِمَوْتِهِ حَتّى أكَلَتِ الأرَضُ عَصا سُلَيْمانَ، فَخَرَّ فَعَلِمُوا بِمَوْتِهِ، وعَلِمَ الإنْسُ أنَّ الجِنَّ لا تَعْلَمُ الغَيْبَ. وَقِيلَ: إنَّ سُلَيْمانَ سَألَ اللَّهَ تَعالى أنْ يُعَمِّيَ عَلى الجِنِّ مَوْتَهُ، فَأخْفاهُ اللَّهُ عَنْهم حَوْلًا. وَفِي سَبَبِ سُؤالِهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: لِأنَّ الجِنَّ كانُوا يَقُولُونَ لِلْإنْسِ: إنَّنا نَعْلَمُ الغَيْبَ، فَأرادَ تَكْذِيبَهم. والثّانِي: لِأنَّهُ كانَ قَدْ بَقِيَ مِن عِمارَةِ بَيْتِ المَقْدِسِ بَقِيَّةٌ. فَأمّا ﴿دابَّةُ الأرْضِ﴾ فَهِيَ: الأرَضَةُ. وقَرَأ أبُو المُتَوَكِّلِ، وأبُو الجَوْزاءِ، وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ: " دابَّةُ الأرَضِ " بِفَتْحِ الرّاءِ. والمِنسَأةُ: العَصا. قالَ الزَّجّاجُ: وإنَّما سُمِّيَتْ مِنسَأةً، لِأنَّهُ يُنْسَأُ بِها، أيْ: يُطْرَدُ ويُزْجَرُ. قالَ الفَرّاءُ: أهْلُ الحِجازِ لا يَهْمِزُونَ المِنسَأةَ، وتَمِيمٌ وفُصَحاءُ قَيْسٍ يَهْمِزُونَها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا خَرَّ﴾ أيْ: سَقَطَ ﴿تَبَيَّنَتِ الجِنُّ﴾ أيْ: ظَهَرَتْ، وانْكَشَفَ لِلنّاسِ أنَّهم لا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ، ولَوْ عَلِمُوا ﴿ما لَبِثُوا في العَذابِ المُهِينِ﴾ (p-٤٣٩)أيْ: ما عَمِلُوا مُسَخَّرِينَ وهو مَيِّتٌ وهم يَظُنُّونَهُ حَيًّا. وقِيلَ: تَبَيَّنَتِ الجِنُّ، أيْ: عَلِمَتْ، لِأنَّها كانَتْ تَتَوَهَّمُ بِاسْتِراقِها السَّمْعَ أنَّها تَعْلَمُ الغَيْبَ، فَعَلِمَتْ حِينَئِذٍ خَطَأها في ظَنِّها. ورَوى رُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ: " تُبُيِّنَتْ " بِرَفْعِ التّاءِ والباءِ وكَسْرِ الياءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب