الباحث القرآني

(p-٤١٢)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾ الآيَةُ. في سَبَبِ نُزُولِها سِتَّةُ أقْوالٍ. (p-٤١٣)القَوْلُ الأوَّلُ: أخْرَجاهُ في " الصَّحِيحَيْنِ " مِن حَدِيثِ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا تَزَوَّجَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ دَعا القَوْمَ، فَطَعِمُوا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَأخَذَ كَأنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيامِ، فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ قامَ وقامَ مِنَ القَوْمِ مَن قامَ، وقَعَدَ ثَلاثَةٌ، فَجاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَدَخَلَ فَإذا القَوْمُ جُلُوسٌ، فَرَجَعَ، وإنَّهم قامُوا فانْطَلَقُوا، وجِئْتُ فَأخْبَرْتُ النَّبِيَّ ﷺ أنَّهم قَدِ انْطَلَقُوا، فَجاءَ حَتّى دَخَلَ، وذَهَبْتُ أدْخُلُ فَألْقى الحِجابَ بَيْنِي وبَيْنَهُ، وأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.» والثّانِي: «أنَّ ناسًا مِنَ المُؤْمِنِينَ كانُوا يَتَحَيَّنُونَ طَعامَ النَّبِيِّ ﷺ فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّعامِ إلى أنْ يُدْرِكَ، ثُمَّ يَأْكُلُونَ ولا يَخْرُجُونَ، فَكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَأذّى بِهِمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ،» قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: «أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ قالَ: قُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ! إنَّ نِساءَكَ يَدْخُلُ (p-٤١٤)عَلَيْهِنَّ البَرُّ والفاجِرُ، فَلَوْ أمَرْتَهُنَّ أنْ يَحْتَجِبْنَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجابِ،» أخْرَجَهُ البُخارِيُّ مِن حَدِيثِ أنَسٍ، وأخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، كِلاهُما عَنْ عُمَرَ. والرّابِعُ: «أنَّ عُمَرَ أمَرَ نِساءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالحِجابِ، فَقالَتْ زَيْنَبُ: يا ابْنَ الخَطّابِ، إنَّكَ لَتَغارُ عَلَيْنا والوَحْيُ يَنْزِلُ في بُيُوتِنا؟! فَنَزَلَتِ الآيَةُ،» قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. والخامِسُ: «أنْ عُمَرَ كانَ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: احْجِبْ نِساءَكَ، فَلا يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ لَيْلَةً، فَقالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْناكِ يا سَوْدَةُ- حِرْصًا عَلى أنْ يَنْزِلَ الحِجابُ- فَنَزَلَ الحِجابُ،» رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنْ عائِشَةَ. (p-٤١٥)والسّادِس: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ يُطْعِمُ مَعَهُ بَعْضَ أصْحابِهِ، فَأصابَتْ يَدُ رَجُلٍ مِنهم يَدَ عائِشَةَ، وكانَتْ مَعَهُمْ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجابِ،» قالَهُ مُجاهِدٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا أنْ يُؤْذَنَ لَكم إلى طَعامٍ﴾ أيْ: أنْ تُدْعَوْا إلَيْهِ ﴿غَيْرَ ناظِرِينَ﴾ أيْ: مُنْتَظَرِينَ ﴿إناهُ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: مَوْضِعُ " أنْ " نَصْبٌ؛ والمَعْنى: إلّا بِأنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، أوْ لِأنْ يُؤْذَنَ، و " غَيْرَ " مَنصُوبَةٌ عَلى الحالِ؛ والمَعْنى: إلّا أنْ يُؤْذَنَ لَكم غَيْرَ مُنْتَظَرِينَ. و " إناهُ ": نُضْجُهُ وبُلُوغُهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فانْتَشِرُوا﴾ أيْ: فاخْرُجُوا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ المَعْنى: ولا تَدْخُلُوا مُسْتَأْنِسِينَ، أيْ: طالِبِي الأُنْسِ لِحَدِيثٍ، وذَلِكَ أنَّهم كانُوا يَجْلِسُونَ بَعْدَ الأكْلِ فَيَتَحَدَّثُونَ طَوِيلًا، وكانَ ذَلِكَ يُؤْذِيه، ويَسْتَحْيِي أنْ يَقُولَ لَهُمْ: قُومُوا، فَعَلَّمَهُمُ اللَّهُ الأدَبَ، فَذَلِكَ قَوْله: ﴿واللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ﴾ أيْ: لا يَتْرُكُ أنْ يُبَيِّنُ لَكم ما هو الحَقُّ ﴿وَإذا سَألْتُمُوهُنَّ مَتاعًا﴾ أيْ: شَيْئًا يُسْتَمْتَعُ بِهِ ويُنْتَفَعُ بِهِ مِن آلَةِ المَنزِلِ ﴿فاسْألُوهُنَّ مِن وراءِ حِجابٍ ذَلِكم أطْهَرُ﴾ أيْ: سُؤالُكم إيّاهُنَّ المَتاعَ مِن وراءِ حِجابٍ أطْهَرُ ﴿لِقُلُوبِكم وقُلُوبِهِنَّ﴾ مِنَ الرِّيبَةِ. (p-٤١٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما كانَ لَكم أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ أيْ: ما كانَ لَكم أذاهُ في شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: و " كانَ " مِن حُرُوفِ الزَّوائِدِ. والمَعْنى: ما لَكم أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ﴿وَلا أنْ تَنْكِحُوا أزْواجَهُ مِن بَعْدِهِ أبَدًا﴾ . رَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: كانَ رَجُلٌ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: لَوْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَزَوَّجْتُ عائِشَةَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ما أنْزَلَ. وزَعَمَ مُقاتِلٌ أنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ ذَلِكُمْ﴾ يَعْنِي نِكاحَ أزْواجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ﴿كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ أيْ: ذَنْبًا عَظِيمَ العُقُوبَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب