الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ﴾ يَعْنِي التَّوْراةَ ﴿فَلا تَكُنْ في مِرْيَةٍ مِن لِقائِهِ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: فَلا تَكُنْ في مِرْيَةٍ مِن لِقاءِ مُوسى رَبَّهُ، رَواهُ ابْنُ عَبّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . والثّانِي: مِن لِقاءِ مُوسى لَيْلَةَ الإسْراءِ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وابْنُ السّائِبِ. والثّالِثُ: فَلا تَكُنْ في شَكٍّ مِن لِقاءِ الأذى كَما لَقِيَ مُوسى، قالَهُ الحَسَنُ. والرّابِعُ: لا تَكُنْ في مِرْيَةٍ مِن تَلَقِّي مُوسى كِتابَ اللَّهِ بِالرِّضى والقَبُولِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. قالَ الزَّجّاجُ: وقَدْ قِيلَ: فَلا تَكُنْ في شَكٍّ مِن لِقاءِ مُوسى الكِتابَ، فَتَكُونُ الهاءُ لِلْكِتابِ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: المَعْنى: مِن لِقاءِ مُوسى الكِتابَ، فَأُضِيفُ المَصْدَرُ إلى ضَمِيرِ الكِتابِ، وفي ذَلِكَ مَدْحٌ لَهُ عَلى امْتِثالِهِ ما أُمِرَ بِهِ، وتَنْبِيهٌ عَلى الأخْذِ بِمِثْلِ هَذا الفِعْلِ. (p-٣٤٤)وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْناهُ هُدًى﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: الكِتابُ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّانِي: مُوسى، قالَهُ قَتادَةُ. ﴿وَجَعَلْنا مِنهُمْ﴾ أيْ: مِن بَنِي إسْرائِيلَ ﴿أئِمَّةً﴾ أيْ: قادَةً في الخَيْرِ ﴿يَهْدُونَ بِأمْرِنا﴾ أيْ: يَدْعُونَ النّاسَ إلى طاعَةِ اللَّهِ ﴿لَمّا صَبَرُوا﴾ [قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وعاصِمٌ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: " لَمّا صَبَرُوا " بِفَتْحِ اللّامِ وتَشْدِيدِ المِيمِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: " لِما " بِكَسْرِ اللّامِ خَفِيفَةً. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: " بِما " بِباءٍ مَكانَ اللّامِ؛ والمُرادُ: صَبْرُهُمْ] عَلى دِينِهِمْ وأذى عَدُوِّهم ﴿وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ﴾ أنَّها مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ؛ وفِيهِمْ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُمُ الأنْبِياءُ. والثّانِي: أنَّهم قَوْمٌ صالِحُونَ سِوى الأنْبِياءِ. وفي هَذا تَنْبِيهٌ لِقُرَيْشٍ أنَّكم إنْ أطَعْتُمْ جَعَلْتُ مِنكم أئِمَّةً. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ رَبَّكَ هو يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ﴾ أيْ: يَقْضِي ويَحْكُمُ؛ وفي المُشارِ إلَيْهِمْ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُمُ الأنْبِياءُ وأُمَمُهم. والثّانِي: المُؤْمِنُونَ والمُشْرِكُونَ. ثُمَّ خَوَّفَ كَفّارَ مَكَّةَ بِقَوْلِهِ: ﴿أوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: " نَهْدِ " بِالنُّونِ. وقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ في (طَهَ: ١٢٨) . ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنّا نَسُوقُ الماءَ﴾ يَعْنِي المَطَرَ والسَّيْلَ ﴿إلى الأرْضِ الجُرُزِ﴾ وهي الَّتِي لا تُنْبِتُ- وقَدْ ذَكَرْناها في أوَّلِ (الكَهْفِ: ٨) - فَإذا جاءَ الماءُ أنْبَتَ فِيها ما يَأْكُلُ النّاسُ والأنْعامُ. ﴿وَيَقُولُونَ﴾ يَعْنِي كُفّارَ مَكَّةَ ﴿مَتى هَذا الفَتْحُ﴾ وفِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ ما فُتِحَ يَوْمَ بَدْرٍ؛ رَوى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في هَذِهِ الآيَةِ قالَ: يَوْمَ بَدْرٍ فُتِحَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَلَمْ يَنْفَعِ الَّذِينَ كَفَرُوا إيمانُهم بَعْدَ المَوْتِ. والثّانِي: أنَّهُ يَوْمُ القِيامَةِ، وهو يَوْمُ الحُكْمِ بِالثَّوابِ والعِقابِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. (p-٣٤٥)والثّالِثُ: أنَّهُ اليَوْمَ الَّذِي يَأْتِيهِمْ فِيهِ العَذابُ في الدُّنْيا؛ قالَهُ السُّدِّيُّ. والرّابِعُ: فَتْحُ مَكَّةَ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ، والفَرّاءُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ؛ وقَدِ اعْتُرِضَ عَلى هَذا القَوْلِ، فَقِيلَ: كَيْفَ لا يَنْفَعُ الكُفّارَ إيمانُهم يَوْمَ الفَتْحِ، وقَدْ أسْلَمَ جَماعَةٌ وقُبِلَ إسْلامُهم يَوْمَئِذٍ؟! فَعَنْهُ جَوابانِ. أحَدُهُما: لا يَنْفَعُ مَن قُتِلَ مِنَ الكُفّارِ يَوْمَئِذٍ إيمانُهم بَعْدَ المَوْتِ؛ وقَدْ ذَكَرْناهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقَدْ ذَكَرَ أهْلُ السَّيْرِ «أنَّ خالِدًا دَخْلَ يَوْمَ الفَتْحِ مِن غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّتِي دَخَلَ مِنها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَقِيَهُ صَفْوانُ بْنُ أُمَيَّةَ وسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو في آخَرِينَ فَقاتَلُوهُ، فَصاحَ خالِدٌ في أصْحابِهِ وقاتَلَهُمْ، فَقَتَلَ أرْبَعَةً وعِشْرِينَ مِن قُرَيْشٍ، وأرْبَعَةً مِن هُذَيْلٍ، وانْهَزَمُوا، فَلَمّا ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قالَ: " ألَمْ أنْهَ عَنِ القِتالِ " ؟ فَقِيلَ: إنَّ خالِدًا قُوتِلَ فَقاتَلَ.» والثّانِي: لا يَنْفَعُ الكُفّارَ ما أُعْطُوا مِنَ الأمانِ، لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: (p-٣٤٦)" «مَن أغْلَقَ بابَهُ فَهو آمِنٌ، ومَن دَخَلَ دارَ أبِي سُفْيانَ فَهو آمِنٌ» " . قالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ: آمَنتُ فُلانًا إيمانًا، فَعَلى هَذا يَكُونُ المَعْنى: لا يَدْفَعُ هَذا الأمانُ عَنْهم عَذابَ اللَّهِ. وهَذا القَوْلُ الَّذِي قَدْ دافَعْنا عَنْهُ لَيْسَ بِالمُخْتارِ، وإنَّما بَيَّنّا وجْهَهُ لِأنَّهُ قَدْ قِيلَ. وَقَدْ خَرَجَ بِما ذَكَرْنا في الفَتْحِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ الحُكْمُ والقَضاءُ، وهو الَّذِي نَخْتارُهُ. والثّانِي: فَتْحُ البَلَدِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأعْرِضْ عَنْهم وانْتَظِرْ﴾ أيِ: انْتَظَرَ عَذابَهم ﴿إنَّهم مُنْتَظِرُونَ﴾ بِكَ حَوادِثَ الدَّهْرِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: وهَذِهِ الآيَةُ مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب