الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ﴾ أيْ: أوْلَمَ يُسافِرُوا فَيَنْظُرُوا مَصارِعَ الأُمَمِ قَبْلَهم كَيْفَ أُهْلِكُوا بِتَكْذِيبِهِمْ فَيَعْتَبِرُوا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأثارُوا الأرْضَ﴾ أيْ: قَلَبُوها لِلزِّراعَةِ، ومِنهُ قِيلَ لِلْبَقَرَةِ: مُثِيرَةٌ. وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، ومُعاذٌ القارِئُ، وأبُو حَيْوَةَ: " وآثَرُوا الأرْضَ " بِمَدِّ الهَمْزَةِ وفَتْحِ الثّاءِ مَرْفُوعَةَ الرّاءِ، ﴿وَعَمَرُوها أكْثَرَ مِمّا عَمَرُوها﴾ أيْ: أكْثَرَ مِن عِمارَةِ أهْلِ مَكَّةَ، لِطُولِ أعْمارِ أُولَئِكَ وشَدَّةِ قُوَّتِهِمْ ﴿وَجاءَتْهم رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ﴾ أيْ: بِالدَّلالاتِ ﴿فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ بِتَعْذِيبِهِمْ عَلى غَيْرِ ذَنْبٍ (p-٢٩١)﴿وَلَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ بِالكُفْرِ والتَّكْذِيبِ؛ ودَلَّ هَذا عَلى أنَّهم لَمْ يُؤْمِنُوا فَأُهْلِكُوا. ثُمَّ أخْبَرَ عَنْ عاقِبَتِهِمْ فَقالَ: ﴿ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أساءُوا السُّوأى﴾ يَعْنِي الخَلَّةَ السَّيِّئَةَ؛ وفِيها قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها العَذابُ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّانِي: جَهَنَّمُ، قالَهُ السُّدِّيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ كَذَّبُوا﴾ قالَ الفَرّاءُ: مَعْناهُ: لِأنَّ كَذَّبُوا، فَلَمّا أُلْقِيَتِ اللّامُ كانَ نَصْبًا. وقالَ الزَّجّاجُ: لِتَكْذِيبِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ واسْتِهْزائِهِمْ. وقِيلَ: السُّوأى مَصْدَرٌ بِمَنزِلَةِ الإساءَةِ؛ فالمَعْنى: ثُمَّ كانَ التَّكْذِيبُ آخِرَ أمْرِهِمْ، أيْ: ماتُوا عَلى ذَلِكَ، كَأنَّ اللَّهَ تَعالى جازاهم عَلى إساءَتِهِمْ أنْ طَبَعَ عَلى قُلُوبِهِمْ حَتّى ماتُوا عَلى التَّكْذِيبِ عُقُوبَةً لَهم. وقالَ مَكِّيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ النَّحْوِيُّ: ﴿عاقِبَةَ﴾ اسْمُ كانَ، و ﴿السُّوأى﴾ خَبَرُها، و ﴿أنْ كَذَّبُوا﴾ مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ؛ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ " السُّوأى " مَفْعُولَةً بِـ " أساؤُوا "، و " أنْ كَذَّبُوا " خَبَرَ كانَ؛ ومَن نَصَبَ " عاقِبَةَ " جَعَلَها خَبَرَ " كانَ " و " السُّوأى " اسْمَها، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ " أنْ كَذَّبُوا " اسْمَها. وقَرَأ الأعْمَشُ: " أساؤُوا السُّوءُ " بِرَفْعِ " السُّوءُ " . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أيْ: يَخْلُقُهم أوَّلًا، ثُمَّ يُعِيدُهم بَعْدَ المَوْتِ أحْياءً كَما كانُوا، ﴿ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: " تُرْجَعُونَ " بِالتّاءِ؛ فَعَلى هَذا يَكُونُ الكَلامُ عائِدًا مِنَ الخَبَرِ إلى الخِطابِ وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: بِالياءِ، لِأنَّ المُتَقَدِّمَ ذِكْرُهُ غَيْبَةٌ، والمُرادُ بِذِكْرِ الرُّجُوعِ: الجَزاءُ عَلى الأعْمالِ، والخَلْقُ بِمَعْنى المَخْلُوقِينَ، وإنَّما قالَ: ﴿يُعِيدُهُ﴾ عَلى لَفْظِ الخَلْقِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب