الباحث القرآني

(p-٢٨٦)سُورَةُ الرُّومِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّها بِإجْماعِهِمْ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ ذَكَرَ أهْلُ التَّفْسِيرِ في سَبَبِ نُزُولِها «أنَّهُ كانَ بَيْنَ فارِسَ والرُّومِ حَرْبٌ فَغَلَبَتْ فارِسُ الرُّومَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وأصْحابَهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وفَرِحَ المُشْرِكُونَ بِذَلِكَ، لِأنَّ فارِسَ لَمْ يَكُنْ لَهم كِتابٌ وكانُوا يَجْحَدُونَ البَعْثَ ويَعْبُدُونَ الأصْنامَ، والرُّومُ أصْحابُ كِتابٍ، فَقالَ المُشْرِكُونَ لِأصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إنَّكم أهْلُ كِتابٍ، والنَّصارى أهْلُ كِتابٍ، ونَحْنُ أُمِّيُّونَ، وقَدْ ظَهَرَ إخْوانُنا مَن أهْلِ فارِسَ عَلى إخْوانِكم مِنَ (p-٢٨٧)الرُّومِ، فَإنْ قاتَلْتُمُونا لَنَظْهَرَنَّ عَلَيْكُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَخَرَجَ بِها أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إلى المُشْرِكِينَ، فَقالُوا: هَذا كَلامُ صاحِبِكَ، فَقالَ: اللَّهُ أنْزَلَ هَذا، فَقالُوا لِأبِي بَكْرٍ: نُراهِنُكَ عَلى أنَّ الرُّومَ لا تَغْلِبُ فارِسَ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: ما بَيْنَ الثَّلاثِ إلى التِّسْعِ، فَقالُوا: الوَسَطُ مِن ذَلِكَ سِتٌّ، فَوَضَعُوا الرِّهانَ، وذَلِكَ قَبْلَ أنْ يُحَرَّمَ الرِّهانُ، فَرَجَعَ أبُو بَكْرٍ إلى أصْحابِهِ فَأخْبَرَهُمْ، فَلامُوهُ وقالُوا: هَلّا أقْرَرْتَها كَما أقَرَّها اللَّهُ؟! لَوْ شاءَ أنْ يَقُولَ: سِتًّا، لَقالَ! فَلَمّا كانَتْ سَنَةُ سِتٍّ، لَمْ تَظْهَرِ الرُّومُ عَلى فارِسَ، فَأخَذُوا الرِّهانَ، فَلَمّا كانَتْ سَنَةُ سَبْعٍ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلى فارِسَ.» ورَوى ابْنُ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ: ﴿الم﴾ ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ ناحَبَ أبُو بَكْرٍ قُرَيْشًا، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " ألا احْتَطْتَ، فَإنَّ البِضْعَ ما بَيْنَ السَّبْعِ والتِّسْعِ "» . وذَكَرَ بَعْضُهم أنَّهم ضَرَبُوا الأجَلَ خَمْسَ سِنِينَ، وقالَ بَعْضُهُمْ: ثَلاثُ سِنِينَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " «إنَّما البِضْعُ ما بَيْنَ الثَّلاثِ إلى التِّسْعِ» "، فَخَرَجَ أبُو بَكْرٍ فَقالَ لَهُمْ: أُزايِدُكم (p-٢٨٨)فِي الخَطْرِ وأمُدُّ في الأجَلِ إلى تِسْعِ سِنِينَ، فَفَعَلُوا، فَقَهَرَهم أبُو بَكْرٍ، وأخَذَ رِهانَهم. وَفِي الَّذِي تَوَلّى وضْعَ الرِّهانِ مِنَ المُشْرِكِينَ قَوْلانِ. أحَدُهُما أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، قالَهُ قَتادَةُ. والثّانِي: أبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ، قالَهُ السُّدِّيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي أدْنى الأرْضِ﴾ وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، والضَّحّاكُ، وأبُو رَجاءٍ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ: " في أدانِي الأرْضِ " بِألِفٍ مَفْتُوحَةِ الدّالِ؛ أيْ: أقْرَبُ الأرْضِ أرْضُ الرُّومِ إلى فارِسَ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وهي طَرَفُ الشّامِ. وَفِي اسْمِ هَذا المَكانِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ الجَزِيرَةُ، وهي أقْرَبُ أرْضِ الرُّومِ إلى فارِسَ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّانِي؛ أذَرِعاتٌ وكَسْكَرُ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. والثّالِثُ: الأُرْدُنُّ وفِلَسْطِينُ، قالَهُ السُّدِّيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهُمْ﴾ يَعْنِي الرُّومَ ﴿مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ﴾ وقَرَأ أبُو الدَّرْداءِ، وأبُو رَجاءٍ، وعِكْرِمَةُ، والأعْمَشُ: " غَلْبِهِمْ " بِتَسْكِينِ اللّامِ؛ أيْ: مِن بَعْدِ غَلَبَةِ فارِسَ إيّاهم. والغَلَبُ والغَلَبَةُ لُغَتانِ، ﴿سَيَغْلِبُونَ﴾ فارِسَ في بِضْعِ سِنِينَ في البِضْعِ تِسْعَةُ أقْوالٍ قَدْ ذَكَرْناها في (يُوسُفَ: ٤٢) قالَ المُفَسِّرُونَ: وهي هاهُنا سَبْعُ سِنِينَ، وهَذا مِن عِلْمِ الغَيْبِ الَّذِي يَدُلُّ عَلى أنَّ القُرْآنَ حَقٌّ، ﴿لِلَّهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ ومِن بَعْدُ﴾ أيْ: مِن قَبْلِ أنْ تَغْلِبَ الرُّومُ ومِن بَعْدِ ما غُلِبَتْ؛ والمَعْنى أنَّ غَلَبَةَ الغالِبِ وخِذْلانَ المَغْلُوبِ، بِأمْرِ اللَّهِ وقَضائِهِ (p-٢٨٩)﴿وَيَوْمَئِذٍ﴾ يَعْنِي يَوْمَ غَلَبَتِ الرُّومُ فارِسَ ﴿يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ﴾ ﴿بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ لِلرُّومِ. وكانَ التِقاءُ الفَرِيقَيْنِ في السَّنَةِ السّابِعَةِ مِن غَلَبَةِ فارِسَ إيّاهُمْ، فَغَلَبَتْهُمُ الرُّومُ، وجاءَ جِبْرِيلُ يُخْبِرُ بِنَصْرِ الرُّومِ عَلى فارِسَ، فَوافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، وقِيلَ: يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب