الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ﴾، الجُمْهُورُ يَقْرَؤُونَ: آَياتٌ. ورَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قَرَأ: (فِيهِ آَيَةٌ بَيِّنَةٌ مَقامَ إبْراهِيمَ)، وبِها قَرَأ مُجاهِدٌ. والآَيَةُ: مَقامُ إبْراهِيمَ. فَأمّا مَن قَرَأ: "آَياتٌ" فَقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الآَياتُ: مَقامُ إبْراهِيمَ، وآَمِنٌ مَن دَخَلَهُ. فَعَلى هَذا يَكُونُ الجَمْعُ مُعَبِّرًا عَنِ التَّثْنِيَةِ، وذَلِكَ جائِزٌ في اللُّغَةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ﴾ [ الأنْبِياءِ: ٧٨ ] . وقالَ أبُو رَجاءٍ: كانَ الحَسَنُ يَعُدُّهُنَّ، وأنا أنْظُرُ إلى أصابِعِهِ: مَقامَ إبْراهِيمَ، ومَن دَخَلَهُ كانَ آَمِنًا، ولِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: في (p-٤٢٧)الكَلامِ إضْمارٌ، تَقْدِيرُهُ: مِنهم مَقامُ إبْراهِيمَ. قالَ المُفَسِّرُونَ: الآَياتُ فِيهِ كَثِيرَةٌ، مِنها مَقامُ إبْراهِيمَ، ومِنها: آَمِنٌ مَن دَخَلَهُ، ومِنها: امْتِناعُ الطَّيْرِ مِنَ العُلُوِّ عَلَيْهِ، واسْتِشْفاءُ المَرِيضِ مِنها بِهِ، وتَعْجِيلُ العُقُوبَةِ لِمَنِ انْتَهَكَ حُرْمَتَهُ، وإهْلاكُ أصْحابِ الفِيلِ لَمّا قَصَدُوا إخْرابَهُ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: والمُرادُ بِالبَيْتِ هاهُنا: الحَرَمُ كُلُّهُ، لِأنَّ هَذِهِ الآَياتِ مَوْجُودَةٌ فِيهِ، ومَقامُ إبْراهِيمَ لَيْسَ في البَيْتِ، والآَيَةُ في مَقامِ إبْراهِيمَ أنَّهُ قامَ عَلى حَجَرٍ، فَأثَّرْثَ قَدَماهُ فِيهِ، فَكانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلى قُدْرَةِ اللَّهِ، وصِدْقِ إبْراهِيمَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾ قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: لَفْظُهُ لَفْظُ الخَبَرِ، ومَعْناهُ: الأمْرُ، وتَقْدِيرُهُ: ومَن دَخَلَهُ، فَأمِّنُوهُ، وهو عامٌّ فِيمَن جَنى جِنايَةً قَبْلَ دُخُولِهِ، وفِيمَن جَنى فِيهِ بَعْدَ دُخُولِهِ، إلّا أنَّ الإجْماعَ انْعَقَدَ عَلى أنَّ مَن جَنى فِيهِ لا يُؤَمَّنُ، لِأنَّهُ هَتَكَ حُرْمَةَ الحَرَمِ ورَدَّ الأمانَ، فَبَقِيَ حُكْمُ الآَيَةِ فِيمَن جَنى خارِجًا مِنهُ، ثُمَّ لَجَأ إلى الحَرَمِ. وقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ في ذَلِكَ، فَقالَ أحْمَدُ في رِوايَةٍ المَرْوَذِيِّ: إذا قَتَلَ، أوْ قَطَعَ يَدًا، أوْ أتى حَدًّا في غَيْرِ الحَرَمِ، ثُمَّ دَخَلَهُ، لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الحَدُّ، ولَمْ يُقْتَصَّ مِنهُ، ولَكِنْ لا يُبايَعُ، ولا يُشارى، ولا يُؤاكَلُ حَتّى يَخْرُجَ، فَإنْ فَعَلَ شَيْئًا مِن ذَلِكَ في الحَرَمِ، اسْتَوْفى مِنهُ وقالَ أحْمَدُ في رِوايَةِ حَنْبَلٍ: إذا قَتَلَ خارِجَ الحَرَمِ، ثُمَّ دَخَلَهُ، لَمْ يُقْتَلْ. وإنْ كانَتِ الجِنايَةُ دُونَ النَّفْسِ، فَإنَّهُ يُقامُ عَلَيْهِ الحَدُّ، وبِهِ قالَ أبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ. وقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ: يُقامُ عَلَيْهِ جَمِيعُ ذَلِكَ في النَّفْسِ، وفِيما دُونَ النَّفْسِ.
وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾، دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ لا يُقامُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ، وهو مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ، وابْنِ عَبّاسٍ، وعَطاءٍ، والشَّعْبِيِّ، وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وطاوُوسٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ﴾، الأكْثَرُونَ عَلى فَتْحِ حاءِ "الحَجِّ"، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفَصٌ عَنْ عاصِمٍ: بِكَسْرِها. قالَ مُجاهِدٌ: لَمّا أُنْزِلَ قَوْلُهُ تَعالى: (p-٤٢٨)﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنهُ﴾ [ آَلِ عِمْرانَ: ٨٥ ] قالَ أهْلُ المِلَلِ كُلِّهِمْ: نَحْنُ مُسْلِمُونَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، فَحَجَّهُ المُسْلِمُونَ، وتَرَكَهُ المُشْرِكُونَ، وقالَتِ اليَهُودَ: لا نَحُجُّهُ أبَدًا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلا﴾ قالَ النَّحْوِيُّونَ: مَنِ اسْتَطاعَ بَدَلٌ مِنَ "النّاسِ"، وهَذا بَدَلُ البَعْضِ مِنَ الكُلِّ، كَما تَقُولُ: ضَرَبْتُ زَيْدًا رَأْسَهُ. وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وابْنِ عُمَرَ، وأنَسٍ، وعائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «أنَّهُ سُئِلَ: ما السَّبِيلُ؟ فَقالَ: "مَن وجَدَ الزّادَ والرّاحِلَةَ" .»
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن كَفَرَ﴾، فِيهِ خَمْسَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ مَعْناهُ: مَن كَفَرَ بِالحَجِّ فاعْتَقَدَهُ غَيْرَ واجِبٍ، رَواهُ مِقْسَمٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجاهِدٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ، (p-٤٢٩)وَعَطاءٌ، وعِكْرِمَةُ، والضَّحّاكُ، ومُقاتِلٌ. والثّانِي: مَن لَمْ يَرْجُ ثَوابَ حَجِّهِ، ولَمْ يَخَفْ عِقابَ تَرْكِهِ، فَقَدْ كَفَرَ بِهِ، رَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ أبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ. والثّالِثُ: أنَّهُ الكُفْرُ بِاللَّهِ، لا بِالحَجِّ، وهَذا المَعْنى مَرْوِيٌّ عَنْ عِكْرِمَةَ، ومُجاهِدٍ. والرّابِعُ: أنَّهُ إذا أمْكَنَهُ الحَجُّ، حَتّى ماتَ، وُسِمَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كافِرٌ، هَذا قَوْلٌ ابْنِ عُمَرَ. والخامِسُ: أنَّهُ أرادَ الكُفْرَ بِالآَياتِ الَّتِي أُنْزِلَتْ في ذِكْرِ البَيْتِ، لِأنَّ قَوْمًا مِنَ المُشْرِكِينَ قالُوا: نَحْنُ نَكْفُرُ بِهَذِهِ الآَياتِ، هَذا قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ.
{"ayah":"فِیهِ ءَایَـٰتُۢ بَیِّنَـٰتࣱ مَّقَامُ إِبۡرَ ٰهِیمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنࣰاۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَیۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَیۡهِ سَبِیلࣰاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق