الباحث القرآني

(p-٣٩٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: التَّوَفِّي، مِنِ اسْتِيفاءِ العَدَدِ، يُقالُ: تَوَفَّيْتُ، واسْتَوْفَيْتُ، كَما يُقالُ: تَيَقَّنْتُ الخَبَرَ، واسْتَيْقَنْتُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِلْمَوْتِ: وفاةٌ، وتَوَفٍّ. وأنْشَدَ أبُو عُبَيْدَةَ: ؎ إنَّ بَنِي الأدْرَدِ لَيْسُوا مِن أحَدْ لَيْسُوا إلى قَيْسٍ ولَيْسُوا مِن أسَدْ ؎ ولا تَوَفّاهم قُرَيْشٌ في العَدَدِ أيْ: لا تَجْعَلُهم وفاءً لِعَدَدِها، والوَفاءُ: التَّمامُ. وفي هَذا التَّوَفِّي قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ الرَّفْعُ إلى السَّماءِ. والثّانِي: أنَّهُ المَوْتُ. فَعَلى القَوْلِ الأوَّلِ يَكُونُ نَظْمُ الكَلامِ مُسْتَقِيمًا مِن غَيْرِ تَقْدِيمٍ وتَأْخِيرٍ، ويَكُونُ مَعْنى "مُتَوَفِّيكَ" قابِضُكَ مِنَ الأرْضِ وافِيًا تامًّا مِن غَيْرِ أنْ يَنالَ مِنكَ اليَهُودُ شَيْئًا، هَذا قَوْلُ الحَسَنِ، وابْنِ جُرَيٍجٍ، وابْنِ قُتَيْبَةَ، واخْتارَهُ الفَرّاءُ، ومِمّا يَشْهَدُ لِهَذا الوَجْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ [ المائِدَةِ: ١١٧ ]، أيْ: (p-٣٩٧)رَفَعْتَنِي إلى السَّماءِ مِن غَيْرِ مَوْتٍ، لِأنَّهم إنَّما بَدَّلُوا بَعْدَ رَفْعِهِ، لا بَعْدَ مَوْتِهِ. وعَلى القَوْلِ الثّانِي: يَكُونُ في الآَيَةِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: إنِّي رافِعُكَ إلَيَّ ومُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، ومُتَوَفِّيكَ بَعْدَ ذَلِكَ، هَذا قَوْلُ الفَرّاءِ، والزَّجّاجِ في آَخَرِينَ. فَتَكُونُ الفائِدَةُ في إعْلامِهِ بِالتَّوَفِّي تَعْرِيفُهُ أنَّ رَفْعَهُ إلى السَّماءِ لا يَمْنَعُ مِن مَوْتِهِ. قالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: رَفَعَ عِيسى وهو ابْنُ ثَلاثٍ وثَلاثِينَ سَنَةً. وقالَ مُقاتِلٌ: رُفِعَ مِن بَيْتِ المَقْدِسِ لَيْلَةَ القَدْرِ في رَمَضانَ. وقِيلَ: عاشَتْ أُمُّهُ مَرْيَمُ بَعْدَ رَفْعِهِ سِتَّ سِنِينَ. ويُقالُ: ماتَتْ قَبْلَ رَفْعِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ رَفَعَهُ مِن بَيْنِ أظْهُرِهِمْ. والثّانِي: مَنعُهم مِن قَبْلِهِ. وفي الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُمُ المُسْلِمُونَ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، لِأنَّهم صَدَقُوا بِنُبُوَّتِهِ، وأنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وكَلِمَتُهُ، هَذا قَوْلُ قَتادَةَ، والرَّبِيعِ، وابْنِ السّائِبِ. والثّانِي: أنَّهُمُ النَّصارى، فَهم فَوْقَ اليَهُودِ، واليَهُودُ مُسْتَذَلُّونَ مَقْهُورُونَ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ يَعْنِي الدِّينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب