الباحث القرآني
(p-٣٨١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَنادَتْهُ المَلائِكَةُ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وعاصِمٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: فَنادَتْهُ بِالتّاءِ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: فَناداهُ بِألِفٍ مُمالَةٍ، قالَ أبُو عَلِيٍّ: هو كَقَوْلِهِ تَعالى: (وَقالَ نِسْوَةٌ) [ يُوسُفَ: ٢٠ ] . وقَرَأ عَلِيٌّ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ: "فَناداهُ" بِألِفٍ. وفي المَلائِكَةِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: جِبْرِيلُ وحْدَهُ، قالَ السُّدِّيُّ، ومُقاتِلٌ، ووَجْهُهُ أنَّ العَرَبَ تُخْبِرُ عَنِ الواحِدِ بِلَفْظِ الجَمْعِ، تَقُولُ: رَكِبْتُ في السُّفُنِ، وسَمِعْتُ هَذا مِنَ النّاسِ. والثّانِي: أنَّهم جَماعَةٌ مِنَ المَلائِكَةِ، وهو مَذْهَبُ قَوْمٍ، مِنهُمُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ. وفي المِحْرابِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ المَسْجِدُ. والثّانِي: أنَّهُ قِبْلَةُ المَسْجِدِ. وفي تَسْمِيَةِ مِحْرابِ الصَّلاةِ مِحْرابًا، ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: لِانْفِرادِ الإمامِ فِيهِ، وبُعْدِهِ مِنَ النّاسِ، ومِنهُ قَوْلُهُمْ: فُلانٌ حَرْبٌ لِفُلانٍ: إذا كانَ بَيْنَهُما مُباغَضَةٌ، وتَباعُدٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنْ أبِيهِ، عَنْ أحْمَدَ بْنِ عُبَيْدٍ. والثّانِي: أنَّ المِحْرابَ في اللُّغَةِ أشْرَفُ الأماكِنِ، وأشْرَفُ المَسْجِدِ مَقامُ الإمامِ. والثّالِثُ: أنَّهُ مِنَ الحَرْبِ فالمُصَلِّي مُحارِبٌ لِلشَّيْطانِ.
قَوْلُهُ تَعالى: (أنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ) قَرَأ الأكْثَرُونَ بِفَتْحِ الألِفِ عَلى مَعْنى: فَنادَتْهُ المَلائِكَةُ بِأنَّ اللَّهَ، فَلَمّا حُذِفَ الجارُّ مِنها، وصَلَ الفِعْلُ إلَيْها، فَنَصَبَها. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، بِكَسْرِ "إنْ" فَأضْمَرَ القَوْلَ. والتَّقْدِيرُ: فَنادَتْهُ، فَقالَتْ: إنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو: يُبَشِّرُكِ بِضَمِّ الياءِ: وفَتْحُ الباءِ، والتَّشْدِيدُ في جَمِيعِ القُرْآَنِ إلّا في (حم عسق) . (يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ) [ الشُّورى: ٢٣ ] فَإنَّهُما فَتَحا الياءَ وضَمّا الشِّينَ، وخَفَّفاها. فَأمّا نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ، فَشَدَّدا كُلَّ القُرْآَنِ. وقَرَأ حَمْزَةُ: "يُبَشِّرُ" خَفِيفًا في كُلِّ القُرْآَنِ، إلّا قَوْلُهُ تَعالى: (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [ الحِجْرِ: ٥٤ ] . وقَرَأ الكِسائِيُّ "يُبَشِّرُ" مُخَفَّفَةً في (p-٣٨٢)خَمْسَةِ مَواضِعَ، في (آَلِ عِمْرانَ) في قِصَّةِ زَكَرِيّاءَ، وقِصَّةُ مَرْيَمَ، وفي بَنِي (إسْرائِيلَ)، وفي (الكَهْفِ) وفي (حم عسق) قالَ الزَّجّاجُ: وُفي "يُبَشِّرُكَ" ثَلاثُ لُغاتٍ. أحَدُها: يُبَشِّرُكِ، بِفَتْحِ الباءِ وتَشْدِيدِ الشِّينِ. والثّانِيَةُ: "يَبْشُرُكَ" بِإسْكانِ الباءِ، وضَمِّ الشِّينِ. والثّالِثَةُ: "يُبْشِرُكِ" بِضَمِّ الياءِ وإسْكانِ الباءِ، فَمَعْنى "يُبَشِّرُكِ" بِالتَّشْدِيدِ و"يُبْشِرُكِ" بِضَمِّ الياءِ: البِشارَةُ. ومَعْنى "يَبْشُرُكِ" بِفَتْحِ الياءِ: يَسُرُّكَ ويُفْرِحُكَ، يُقالُ: بَشَّرْتُ الرَّجُلَ أُبَشِّرُهُ: إذا أفْرَحْتُهُ، وبُشِّرَ الرَّجُلُ يُبَشَّرُ: إذا فَرِحَ.
وَأنْشَدَ الأخْفَشُ والكِسائِيُّ:
؎ وإذا لَقِيتَ الباهِشِينَ إلى العُلى غُبْرًا أكُفَّهُمُ بِقاعٍ مُمَحَّلِ
؎ فَأعِنْهم وابْشَرْ بِما بَشِرُوا بِهِ ∗∗∗ وإذا هم نَزَلُوا بِضَنْكٍ فانْزِلِ
فَهَذا عَلى بَشَرَ يَبْشَرُ: إذا فَرِحَ. وأصْلُ هَذا كُلُّهُ أنَّ بَشْرَةَ الإنْسانِ تَنْبَسِطُ عِنْدَ السُّرُورِ، ومِنهُ قَوْلُهُمْ: يَلْقانِي بِبِشْرٍ. أيْ: بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ، وفي مَعْنى تَسْمِيَتِهِ "يَحْيى" خَمْسَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: لِأنَّ اللَّهَ تَعالى أحْيا بِهِ عُقْرَ أُمِّهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: لِأنَّ اللَّهَ تَعالى أحْيا قَلْبَهُ بِالإيمانِ، قالَهُ قَتادَةُ. والثّالِثُ: لِأنَّهُ أحْياهُ بَيْنَ شَيْخٍ وعَجُوزٍ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والرّابِعُ: لِأنَّهُ حَيِيٌّ بِالعِلْمِ والحِكْمَةِ الَّتِي أُوتِيَها، قالَهُ الزَّجّاجُ. والخامِسُ: لِأنَّ اللَّهَ أحْياهُ بِالطّاعَةِ، (p-٣٨٣)فَلَمْ يَعْصِ، ولَمْ يَهِمَّ، قالَهُ الحَسَنُ بْنُ الفَضْلِ. وفي "الكَلِمَةِ" قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها عِيسى، وسُمِّيَ كَلِمَةً، لِأنَّهُ بِالكَلِمَةِ كانَ، وهي "كُنْ" وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، والحَسَنِ، ومُجاهِدٍ، وقَتادَةَ، والسُّدِّيِّ، ومُقاتِلٍ. وقِيلَ: إنَّ يَحْيى كانَ أكْبَرَ مِن عِيسى بِسِتَّةِ أشْهُرٍ، وقُتِلَ يَحْيى قَبْلَ رَفْعِ عِيسى. والثّانِي: أنَّ الكَلِمَةَ كِتابُ اللَّهِ وآَياتُهُ، وهو قَوْلُ أبِي عُبَيْدَةَ في آَخَرِينَ ووَجْهُهُ أنَّ العَرَبَ تَقُولُ: أنْشَدَنِي فُلانٌ كَلِمَةً، أيْ: قَصِيدَةً. وفي مَعْنى السَّيِّدِ ثَمانِيَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ الكَرِيمُ عَلى رَبِّهِ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ. والثّانِي: أنَّهُ الحَلِيمُ التَّقِيُّ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا، وبِهِ قالَ الضَّحّاكُ. والثّالِثُ: أنَّهُ الحَكِيمُ، قالَهُ الحَسَنُ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وعِكْرِمَةُ، وعَطاءٌ، وأبُو الشَّعْثاءِ، والرَّبِيعُ، ومُقاتِلٌ. والرّابِعُ: أنَّهُ الفَقِيهُ العالِمُ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ. والخامِسُ: أنَّهُ التَّقِيُّ، رَواهُ سالِمٌ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ. والسّادِسُ: أنَّهُ الحَسَنُ الخُلُقِ، رَواهُ أبُو رَوْقٍ عَنِ الضَّحّاكِ. والسّابِعُ: أنَّهُ الشَّرِيفُ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. والثّامِنُ: أنَّهُ الَّذِي يَفُوقُ قَوْمَهُ في الخَيْرِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: السَّيِّدُ هاهُنا: الرَّئِيسُ، والإمامُ في الخَيْرِ. فَأمّا "الحَصُورُ" فَقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هو الَّذِي لا يَأْتِي النِّساءَ، وهو فَعَوْلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، كَأنَّهُ مَحْصُورٌ عَنْهُنَّ، أيْ: مَحْبُوسٌ عَنْهُنَّ. وأصْلُ الحَصْرِ: الحَبْسُ. ومِمّا جاءَ عَلى "فَعُولٍ" بِمَعْنى "مَفْعُولٍ" رُكُوبٌ بِمَعْنى مَرْكُوبٌ، وحَلُوبٌ بِمَعْنى مَحْلُوبٌ، وهَيُوبٌ بِمَعْنى مَهِيبٌ. واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ لِماذا كانَ لا يَأْتِي النِّساءَ؟ عَلى أرْبَعَةِ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ما يَأْتِي بِهِ النِّساءَ، فَرَوى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بْنِ العاصِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أنَّهُ قالَ: « "كُلُّ بَنِي آَدَمَ يَأْتِي يَوْمَ القِيامَةِ ولَهُ ذَنْبٌ إلّا ما كانَ مِن يَحْيى بْنِ زَكَرِيّا" قالَ: ثُمَّ دَلّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ إلى الأرْضِ، فَأخَذَ عُودًا صَغِيرًا، ثُمَّ قالَ: "وَذَلِكَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ما لِلرِّجالِ إلّا مِثْلَ هَذا العُودِ، ولِذَلِكَ سَمّاهُ اللَّهُ سَيِّدًا وحَصُورًا"» وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: كانَ لَهُ كالنَّواةِ. (p-٣٨٤). والثّانِي: أنَّهُ كانَ لا يَنْزِلُ الماءُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَّحّاكُ. والثّالِثُ: أنَّهُ كانَ لا يَشْتَهِي النِّساءَ، قالَهُ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ. والرّابِعُ: أنَّهُ كانَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِن شَهَواتِها، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَنَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ﴾ قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: مَعْناهُ: مِنَ الصّالِحِي الحالِ عِنْدَ اللَّهِ.
{"ayah":"فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَهُوَ قَاۤىِٕمࣱ یُصَلِّی فِی ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكَ بِیَحۡیَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَیِّدࣰا وَحَصُورࣰا وَنَبِیࣰّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق