الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهُ فَقِيرٌ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها قَوْلانِ. أحَدُهُما: «أنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ بَيْتَ مِدْراسِ اليَهُودِ، فَوَجَدَهم قَدِ اجْتَمَعُوا عَلى رَجُلٍ مِنهُمُ اسْمُهُ فِنْحاصُّ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: اتَّقِ اللَّهَ وأسْلِمْ، فَواللَّهِ إنَّكَ لَتَعْلَمُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقالَ: واللَّهِ يا أبا بَكْرٍ ما بِنا إلى اللَّهِ مِن فَقْرٍ، وإنَّهُ إلَيْنا لِفَقِيرٌ، ولَوْ كانَ غَنِيًّا عَنّا ما اسْتَقْرَضَ مِنّا. فَغَضِبَ أبُو بَكْرٍ وضَرَبَ وجْهَ فِنْحاصَّ ضَرْبَةً شَدِيدَةً، وقالَ: واللَّهِ لَوْلا العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنا لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ. فَذَهَبَ فِنْحاصُ يَشْكُو إلى النَّبِيِّ ﷺ، وأخْبَرَهُ أبُو بَكْرٍ بِما قالَ، فَجَحَدَ فِنْحاصُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، ونَزَلَ فِيما بَلَغَ مِن أبِي بَكْرٍ مِنَ الغَضَبِ ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنَ قَبْلِكم ومِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا أذًى كَثِيرًا﴾ [ آَلِ عِمْرانَ: ١٨٦ ]» هَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ وإلى نَحْوِهِ ذَهَبَ مُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، والسُّدِّيُّ، ومُقاتِلٌ. والثّانِي: أنَّهُ لَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ ﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا﴾ [ البَقَرَةِ: ٢٤٥ ] قالَتِ اليَهُودَ: إنَّما يَسْتَقْرِضُ الفَقِيرُ مِنَ الغَنِيِّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، هَذا قَوْلُ الحَسَنِ، وقَتادَةَ. وَفِي الَّذِينَ قالُوا: إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ، أرْبَعَةُ أقْوالٍ. (p-٥١٥)أحَدُها: أنَّهُ فِنْحاصُ بْنُ عازُوراءَ اليَهُودِيُّ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُقاتِلٌ. والثّانِي: حُيَيُّ بْنُ أخْطَبَ، قالَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ. والثّالِثُ: أنَّ جَماعَةً مِنَ اليَهُودِ قالُوهُ. قالَ مُجاهِدٌ: صَكَّ أبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنَ الَّذِينَ قالُوا: ﴿إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ونَحْنُ أغْنِياءُ﴾ لَمْ يَسْتَقْرِضْنا وهو غَنِيٌّ؟! والرّابِعُ: أنَّهُ النَّبّاشُ بْنُ عَمْرٍو اليَهُودِيُّ، ذَكَرَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَنَكْتُبُ ما قالُوا﴾ قَرَأ حَمْزَةُ وحْدَهُ: "سَيُكْتَبُ" بِياءٍ مَضْمُومَةٍ و"قَتْلُهُمْ" بِالرَّفْعِ و"يَقُولُ" بِالياءِ، وقَرَأ الباقُونَ: (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) بِالنُّونِ، و"قَتْلَهُمْ" بِالنَّصْبِ و"نَقُولُ" بِالنُّونِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ "وَيُقالُ"، وقَرَأ الأعْمَشُ، وطَلْحَةُ: و"يَقُولُ" وَفِي مَعْنى ﴿سَنَكْتُبُ ما قالُوا﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: سَنَحْفَظُ عَلَيْهِمْ ما قالُوا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: سَنَأْمُرُ الحَفَظَةَ بِكِتابَتِهِ، قالَهُ مُقاتِلٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقَتْلَهُمُ الأنْبِياءَ﴾ أيْ: ونَكْتُبُ ذَلِكَ. فَإنْ قِيلَ: هَذا القائِلُ لَمْ يَقْتُلْ نَبِيًّا قَطُّ، فالجَوابُ أنَّهُ رَضِيَ بِفِعْلِ مُتَقَدِّمِيهِ لِذَلِكَ، كَما بَيَّنّا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: ومَعْنى ﴿عَذابَ الحَرِيقِ﴾ عَذابُ مُحْرِقٌ، أيْ: عَذابٌ بِالنّارِ، لِأنَّ العَذابَ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ النّارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب