الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَغُلَّ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها سَبْعَةُ أقْوالٍ. (p-٤٩٠)أحَدُها: أنَّ قَطِيفَةً مِنَ المَغْنَمِ فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقالَ ناسٌ: لَعَلَّ النَّبِيَّ ﷺ أخَذَها، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّ رَجُلًا غَلَّ مِن غَنائِمِ هَوازِنَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، رَواهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّ قَوْمًا مِن أشْرافِ النّاسِ طَلَبُوا مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنْ يَخُصَّهم بِشَيْءٍ مِنَ الغَنائِمِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا. والرّابِعُ: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ طَلائِعًا، فَغَنِمَ النَّبِيُّ ﷺ غَنِيمَةً، ولَمْ يُقَسِّمْ لِلطَّلائِعِ، فَقالُوا: قَسَمَ الفَيْءَ ولَمْ يَقْسِمْ لَنا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، قالَهُ الضَّحّاكُ. والخامِسُ: أنَّ قَوْمًا غَلُّوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، قالَهُ قَتادَةُ. والسّادِسُ: أنَّها «نَزَلَتْ في الَّذِينَ تَرَكُوا مَرْكَزَهم يَوْمَ أُحُدٍ طَلَبًا لِلْغَنِيمَةِ، وقالُوا: نَخافُ أنْ يَقُولَ النَّبِيُّ ﷺ: "مَن أخَذَ شَيْئًا فَهو لَهُ" فَقالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: "ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكم ألّا تَبْرَحُوا؟! أظْنَنْتُمْ أنّا نَغُلُّ؟!" فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ،» قالَهُ ابْنُ السّائِبِ، ومُقاتِلٌ. والسّابِعُ: أنَّها نَزَلَتْ في غُلُولِ الوَحْيِ، قالَهُ القُرَظِيُّ، وابْنُ إسْحاقَ. وَذَكَرَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ أنَّهم كانُوا يُكْرَهُونَ ما في القُرْآَنِ مِن عَيْبِ دِينِهِمْ وآَلِهَتِهِمْ، فَسَألُوهُ أنْ يَطْوِيَ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ. (p-٤٩١)واخْتَلَفَ القُرّاءُ في "يَغُلَّ" فَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وعاصِمٌ، وأبُو عَمْرٍو: بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الغَيْنِ، ومَعْناها: يَخُونُ. وفي هَذِهِ الخِيانَةِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: خِيانَةُ المالِ عَلى قَوْلِ الأكْثَرِينَ. والثّانِي: خِيانَةُ الوَحْيِ عَلى قَوْلِ القُرَظِيِّ، وابْنِ إسْحاقَ. وقَرَأ الباقُونَ: بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الغَيْنِ، ولَها وجْهانِ. أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ المَعْنى يُخانُ، [وَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ يُلْفى خائِنًا، يُقالُ: أغْلَلْتُ فُلانًا، أيْ: وجَدْتُهُ غالًّا، كَما يُقالُ: أحْمَقْتُهُ: وجَدْتُهُ أحْمَقَ، وأحْمَدْتُهُ: وجَدْتُهُ مَحْمُودًا ] قالَهُ الحَسَنُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ. والثّانِي: يَخُونُ، قالَهُ الفَرّاءُ، وأجازَهُ الزَّجّاجُ، ورَدَّهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، فَقالَ: لَوْ أرادَ، يَخُونُ لَقالَ: يَغْلُلْ كَما يُقالُ: يَفْسُقُ، ويَخُونُ، ويَفْجُرُ. وَقِيلَ: "اللّامُ" في قَوْلِهِ "لِنَبِيٍّ" مَنقُولَةٌ، ومَعْنى الآَيَةِ: وما كانَ النَّبِيُّ لِيَغُلَّ، ومِثْلُهُ: ﴿ما كانَ لِلَّهِ أنْ يَتَّخِذَ مِن ولَدٍ﴾ [ مَرْيَمَ: ٣٦ ]، أيْ: ما كانَ اللَّهُ لِيَتَّخِذَ ولَدًا. وَهَذِهِ الآَيَةُ مِنَ ألْطَفِ التَّعْرِيضِ، إذْ قَدْ ثَبَتَتْ بَراءَةُ ساحَةِ النَّبِيِّ ﷺ، مِنَ الغُلُولِ فَدَلَّ عَلى أنَّ الغُلُولَ في غَيْرِهِ، ومِثْلُهُ: ﴿وَإنّا أوْ إيّاكم لَعَلى هُدًى أوْ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [ سَبَإٍ: ٢٥ ] وقَدْ ذُكِرَ عَنِ السُّدِّيِّ نَحْوُ هَذا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ القِيامَةِ﴾ الغُلُولُ: أخْذُ شَيْءٍ مِنَ المَغْنَمِ خِفْيَةً، ومِنهُ الغِلالَةُ، وهي ثَوْبٌ يُلْبَسُ تَحْتَ الثِّيابِ، والغَلَلُ: وهو الماءُ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَ الشَّجَرِ، والغِلُّ: وهو الحِقْدُ الكامِنُ في الصَّدْرِ، وأصْلُ البابِ الِاخْتِفاءُ. وفي إتْيانِهِ بِما غَلَّ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. (p-٤٩٢)أحَدُها: أنَّهُ يَأْتِي بِما غَلَّهُ، يَحْمِلُهُ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ ما رَوى البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ في "الصَّحِيحَيْنِ" مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «قامَ فِينا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا فَذَكَرَ الغُلُولَ، فَعَظَّمَهُ، وعَظَّمَ أمْرَهُ، ثُمَّ قالَ: "لا أُلْفِيَنَّ أحَدَكم يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغاءٌ، يَقُولُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أغِثْنِي، فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أحَدَكم يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ فُرْسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، فَيَقُولُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أغِثْنِي، فَأقُولُ: لا أُمَلِّكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أبْلَغْتُكَ لا أُلْفِيَنَّ أحَدَكم يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ شاةٌ لَها ثُغاءٌ، يَقُولُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أغِثْنِي، فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أبْلَغْتُكَ. لا أُلْفِيَنَّ أحَدَكم يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَها صِياحٌ، فَيَقُولُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أغِثْنِي، فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أبْلَغْتُكَ. لا أُلْفِيَنَّ أحَدَكم يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ رِقاعٌ تَخْفُقُ، فَيَقُولُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أغِثْنِي، فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أبْلَغْتُكَ. لا أُلْفِيَنَّ أحَدَكم يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى رَقَبَتِهِ صامِتٌ، فَيَقُولُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أغِثْنِي، فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أبْلَغْتُكَ" .» الرُّغاءُ: صَوْتُ البَعِيرِ، والثُّغاءُ: صَوْتُ الشّاةِ، والنَّفْسُ: ما يُغَلُّ مِنَ السَّبْيِ، والرِّقاعُ: الثِّيابُ والصّامِتُ: المالُ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ يَأْتِي حامِلًا إثْمَ ما غَلَّ. والثّالِثُ: أنَّهُ يَرُدُّ عِوَضَ ما غَلَّ مِن حَسَناتِهِ، والقَوْلُ الأوَّلُ أصَحُّ لِمَكانِ الأثَرِ الصَّحِيحِ. (p-٤٩٣)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ﴾ أيْ: تُعْطى جَزاءَ ما كَسَبَتْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب