الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ أنْزَلَ عَلَيْكم مِن بَعْدِ الغَمِّ أمَنَةً﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الأمَنَةُ: الأمْنُ. يُقالُ: وقَعَتِ الأمَنَةُ في الأرْضِ. وقالَ الزَّجّاجُ: مَعْنى الآَيَةِ: أعْقَبَكم بِما نالَكم مِنَ الرُّعْبِ أنَّ أمِنَكم أمْنًا تَنامُونَ مَعَهُ، لِأنَّ الشَّدِيدَ الخَوْفَ لا يَكادُ يَنامُ. و"نُعاسًا" مَنصُوبٌ عَلى البَدَلِ مِن "أمَنَةً" يُقالُ: نَعَسَ الرَّجُلُ يَنْعَسُ نُعاسًا، فَهو ناعِسٌ. وبَعْضُهم يَقُولُ: نُعْسانُ. قالَ الفَرّاءُ: قَدْ سَمِعْتُها، ولَكِنِّي لا أشْتَهِيها. قالَ العُلَماءُ: النُّعاسُ: أخَفُّ النَّوْمِ. وفي وجْهِ الِامْتِنانِ عَلَيْهِمْ بِالنُّعاسِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ أمِنَهم بَعْدَ خَوْفِهِمْ حَتّى نامُوا، فالمِنَّةُ بِزَوالِ الخَوْفِ، لِأنَّ الخائِفَ لا يَنامُ. والثّانِي: قَوّاهم بِالاسْتِراحَةِ عَلى القِتالِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَغْشى طائِفَةً مِنكُمْ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ: "يَغْشى" بِالياءِ مَعَ التَّفْخِيمِ، وهو يَعُودُ إلى النُّعاسِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ: "تَغْشى" بِالتّاءِ مَعَ الإمالَةِ، وهو يَرْجِعُ إلى الأمَنَةِ. فَأمّا الطّائِفَةُ الَّتِي غَشِيَها النَّوْمُ، فَهُمُ المُؤْمِنُونَ، والطّائِفَةُ الَّذِينَ أهَمَّتْهم أنْفُسَهُمُ: المُنافِقُونَ، أهَمَّهم خَلاصُ أنْفُسِهِمْ، فَذَهَبَ النَّوْمُ عَنْهم. قالَ أبُو طَلْحَةَ: كانَ السَّيْفُ يَسْقُطُ مِن يَدِي، ثُمَّ أخَذَهُ، ثُمَّ يَسْقُطُ، وأخَذَهُ مِنَ النُّعاسِ. وجَعَلْتُ أنْظُرُ، وما مِنهم أحَدٌ يَوْمئِذٍ إلّا يَمِيدُ تَحْتَ حَجْفَتِهِ (p-٤٨١)مِنَ النُّعاسِ. وقالَ الزُّبَيْرُ: أرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْنا النَّوْمَ، فَما مِنّا رَجُلٌ إلّا ذَقَنُهُ في صَدْرِهِ، فَواللَّهِ إنِّي لَأسْمَعُ كالحُلْمِ قَوْلَ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ: ﴿لَوْ كانَ لَنا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا ها هُنا﴾ فَحَفِظْتُها مِنهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهم ظَنُّوا أنَّ اللَّهَ لا يَنْصُرُ مُحَمَّدًا وأصْحابَهُ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّانِي: أنَّهم كَذَّبُوا بِالقَدَرِ، رَواهُ الضَّحّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّالِثُ: أنَّهم ظَنُّوا أنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، قالَهُ مُقاتِلٌ.
والرّابِعُ: ظَنُّوا أنَّ أمْرَ النَّبِيِّ ﷺ مُضْمَحِلٌّ، قالَهُ الزَّجّاجُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ظَنَّ الجاهِلِيَّةِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أيْ: كَظَنِّ الجاهِلِيَّةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الأمْرِ مِنَ شَيْءٍ﴾ لَفْظُهُ لَفْظُ الِاسْتِفْهامِ، ومَعْناهُ: الجَحْدُ، تَقْدِيرُهُ ما لَنا مِنَ الأمْرِ مِن شَيْءٍ. قالَ الحَسَنُ قالُوا لَوْ كانَ الأمْرُ إلَيْنا ما خَرَجْنا، وإنَّما أُخْرِجْنا كُرْهًا. وقالَ غَيْرُهُ: المُرادُ بِالأمْرِ: النَّصْرُ والظَّفَرُ، قالُوا: إنَّما النَّصْرُ لِلْمُشْرِكِينَ ﴿قُلْ إنَّ الأمْرَ كُلَّهُ﴾، أيِ: النَّصْرُ، والظَّفْرُ، والقَضاءُ والقَدَرُ ﴿لِلَّهِ﴾ والأكْثَرُونَ قَرَؤُوا (إنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) بِنَصْبِ اللّامِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو بِرَفْعِها، قالَ أبُو عَلِيٍّ: حُجَّةُ مَن نَصَبَ، أنَّ "كُلَّهُ" بِمَنزِلَةِ "أجْمَعِينَ" في الإحاطَةِ والعُمُومِ، فَلَوْ قالَ: إنَّ الأمْرَ (p-٤٨٢)أجْمَعُ لَمْ يَكُنْ إلّا النَّصْبُ، و"كُلَّهُ" بِمَنزِلَةِ "أجْمَعِينَ" ومَن رَفَعَ، فَلِأنَّهُ قَدِ ابْتَدَأ بِهِ، كَما ابْتَدَأ بِقَوْلِهِ تَعالى: (كُلُّهم آَتِيهِ) .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُخْفُونَ في أنْفُسِهِمْ﴾ في الَّذِي أخْفَوْهُ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ قَوْلُهُمْ: (لَوْ كُنّا في بُيُوتِنا ما قُتِلْنا هاهُنا) .
والثّانِي: أنَّهُ إسْرارُهُمُ الكُفْرَ، والشَّكَّ في أمْرِ اللَّهِ.
والثّالِثُ: النَّدَمُ عَلى حُضُورِهِمْ مَعَ المُسْلِمِينَ بِأُحُدٍ.
قالَ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ: والَّذِي قالَ: ﴿هَلْ لَنا مِنَ الأمْرِ مِنَ شَيْءٍ﴾ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ. والَّذِي قالَ: (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الأمْرِ مِن شَيْءٍ) مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ في بُيُوتِكُمْ﴾ أيْ: لَوْ تَخَلَّفْتُمْ، لَخَرَجَ مِنكم مَن كُتِبَ عَلَيْهِ القَتْلُ، ولَمْ يُنْجِهِ القُعُودُ. والمُضاجِعُ: المُصارِعُ بِالقَتْلِ. قالَ الزَّجّاجُ: ومَعْنى (بَرَزُوا): صارُوا إلى بِرازٍ، وهو المَكانُ المُنْكَشِفُ. ومَعْنى ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما في صُدُورِكُمْ﴾ أيْ: لِيَخْتَبِرَهُ بِأعْمالِكم، لِأنَّهُ قَدْ عَلِمَهُ غَيْبًا، فَيَعْلَمُهُ شَهادَةً.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِيُمَحِّصَ ما في قُلُوبِكُمْ﴾ قالَ قَتادَةُ: أرادَ لِيُظْهِرَها مِنَ الشَّكِّ والِارْتِيابِ بِما يُرِيكم مِن عَجائِبِ صُنْعِهِ مِنَ الأمَنَةِ، وإظْهارِ سَرائِرِ المُنافِقِينَ. وهَذا التَّمْحِيصُ خاصٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ. وقالَ غَيْرُهُ أرادَ بِالتَّمْحِيصِ. إبانَةٌ ما في القُلُوبِ مِنَ الِاعْتِقادِ لِلَّهِ، ولِرَسُولِهِ، ولِلْمُؤْمِنِينَ، فَهو خِطابٌ لِلْمُنافِقِينَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ أيْ: بِما فِيها. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: مَعْناهُ عَلِيمٌ بِحَقِيقَةِ ما في الصُّدُورِ مِنَ المُضْمِراتِ، فَتَأْنِيثُ ذاتٍ بِمَعْنى الحَقِيقَةِ، كَما تَقُولُ العَرَبُ: لَقِيتُهُ ذاتَ يَوْمٍ. فَيُؤَنِّثُونَ لِأنَّ مَقْصِدَهُمْ: لَقِيتُهُ مَرَّةً في يَوْمٍ.
{"ayah":"ثُمَّ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةࣰ نُّعَاسࣰا یَغۡشَىٰ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنكُمۡۖ وَطَاۤىِٕفَةࣱ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ یَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِۖ یَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَیۡءࣲۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ یُخۡفُونَ فِیۤ أَنفُسِهِم مَّا لَا یُبۡدُونَ لَكَۖ یَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَیۡءࣱ مَّا قُتِلۡنَا هَـٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِی بُیُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِینَ كُتِبَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِیَبۡتَلِیَ ٱللَّهُ مَا فِی صُدُورِكُمۡ وَلِیُمَحِّصَ مَا فِی قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق