الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ إذا فَعَلُوا فاحِشَةً﴾ في سَبَبِ نُزُولِها ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: «أنَّ امْرَأةً أتَتْ إلى نَبْهانَ التَّمّارِ تَشْتَرِي مِنهُ تَمَرًا فَضَمَّها، وقَبَّلَها، ثُمَّ نَدِمَ، فَأتى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ،» رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. (p-٤٦٢). والثّانِي: «أنَّ أنْصارِيًّا وثَقَفِيًّا آَخى النَّبِيَّ ﷺ بَيْنَها، فَخَرَجَ الثَّقَفِيُّ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ في بَعْضِ مَغازِيهِ، فَكانَ الأنْصارِيُّ يَتَعَهَّدُ أهْلَ الثَّقَفِيِّ، فَجاءَ ذاتَ يَوْمٍ فَأبْصَرَ المَرْأةَ قَدِ اغْتَسَلَتْ وهي ناشِرَةٌ شَعْرَها، فَدَخَلَ ولَمْ يَسْتَأْذِنْ؛ فَذَهَبَ لِيَلْثِمَها فَوَضَعَتْ كَفَّها عَلى وجْهِها فَقَبَّلَهُ ثُمَّ نَدِمَ، فَأدْبَرَ راجِعًا، فَقالَتْ: سُبْحانَ اللَّهِ خُنْتَ أمانَتَكَ، وعَصَيْتَ رَبَّكَ، ولَمْ تُصِبْ حاجَتَكَ: قالَ: فَخَرَجَ يَسِيحُ في الجِبالِ، ويَتُوبُ إلى اللَّهِ مِن ذَنْبِهِ. فَلَمّا قَدِمَ الثَّقَفِيُّ أخْبَرَتْهُ المَرْأةُ بِفِعْلِهِ، فَخَرَجَ يَطْلُبُهُ حَتّى دُلَّ عَلَيْهِ، فَنَدِمَ عَلى صَنِيعِهِ فَوافَقَهُ ساجِدًا يَقُولُ: ذَنْبِي ذَنْبِي، قَدْ خُنْتُ أخِي فَقالَ لَهُ: يا فُلانٌ انْطَلِقْ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فاسْألْهُ عَنْ ذَنْبِكَ، لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَ لَكَ مَخْرَجًا، فَرَجَعَ إلى المَدِينَةِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ بِتَوْبَتِهِ،» رَواهُ أبُو صالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وذَكَرَهُ مُقاتِلٌ. والثّالِثُ: «أنَّ المُسْلِمِينَ قالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: بَنُو إسْرائِيلَ أكْرَمُ عَلى اللَّهِ مِنّا! كانَ أحَدُهم إذا أذْنَبَ، أصْبَحَتْ كَفّارَةُ ذُنُوبِهِ مَكْتُوبَةً في عَتَبَةِ بابِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: "ألا أُخْبِرُكم بِخَيْرٍ مِن ذَلِكَ" فَقَرَأ هَذِهِ الآَيَةَ، والَّتِي قَبْلَها،» هَذا قَوْلُ عَطاءٍ. واخْتَلَفُوا هَلْ هَذِهِ الآَيَةُ نَعْتٌ لِلْمُنْفِقِينَ في السَّرّاءِ والضَّرّاءِ؟ أمْ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ؟ عَلى قَوْلَيْنِ. أحَدُهُما: أنَّها نَعْتٌ لَهم قالَهُ الحَسَنُ. والثّانِي: أنَّها لِصِنْفٍ آَخَرَ، قالَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. والفاحِشَةُ القَبِيحَةُ وكُلُّ شَيْءٍ جاوَزَ قَدْرَهُ، فَهو فاحِشٌ. وفي المُرادِ بِها هاهُنا قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها الزِّنى. قالَهُ جابِرُ بْنُ زَيْدٍ، والسُّدِّيُّ، ومُقاتِلٌ. والثّانِي: أنَّها كُلُّ كَبِيرَةٍ، قالَهُ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ. (p-٤٦٣)واخْتَلَفُوا في "الظُّلْمِ" المَذْكُورِ بَعْدَها، فَلَمْ يُفَرِّقْ قَوْمٌ بَيْنَهُ وبَيْنَ الفاحِشَةِ، وقالُوا: الظُّلْمُ لِلنَّفْسِ فاحِشَةٌ أيْضًا، وفَرَّقَ آَخَرُونَ، فَقالُوا: هو الصَّغائِرُ. وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَكَرُوا اللَّهَ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ ذِكْرُ اللِّسانِ، وهو الِاسْتِغْفارُ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وعَطاءٌ في آَخَرِينَ. والثّانِي: أنَّهُ ذِكْرُ القَلْبِ، ثُمَّ فِيهِ خَمْسَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ ذِكْرُ العَرْضِ عَلى اللَّهِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. والثّانِي: أنَّهُ ذِكْرُ السُّؤالِ عَنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ، قالَهُ الواقِدِيُّ. والثّالِثُ: ذِكْرُ وعِيدِ اللَّهِ لَهم عَلى ما أُتُوا، قالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. والرّابِعُ: ذِكْرُ نَهْيِ اللَّهِ لَهم عَنْهُ. والخامِسُ: ذِكْرُ غُفْرانِ اللَّهِ: ذَكَرَ القَوْلَيْنِ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. فَأمّا الإصْرارُ، فَقالَ الزَّجّاجُ: هو الإقامَةُ عَلى الشَّيْءِ. وقالَ ابْنُ فارِسٍ: هو العَزْمُ عَلى الشَّيْءِ والثَّباتُ عَلَيْهِ. ولِلْمُفَسِّرِينَ في المُرادِ بِالإصْرارِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ مُواقَعَةُ الذَّنْبِ عِنْدَ الِاهْتِمامِ بِهِ. وهَذا مَذْهَبُ مُجاهِدٍ. والثّانِي: أنَّهُ الثُّبُوتُ عَلَيْهِ مِن غَيْرِ اسْتِغْفارٍ، وهَذا مَذْهَبُ قَتادَةَ، وابْنِ إسْحاقَ. (p-٤٦٤). والثّالِثُ: أنَّهُ تَرْكُ الِاسْتِغْفارِ مِنهُ، وهَذا مَذْهَبُ السُّدِّيِّ. وفي مَعْنى ﴿وَهم يَعْلَمُونَ﴾ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: وهم يَعْلَمُونَ أنَّ الإصْرارَ يَضُرُّ، وأنَّ تَرْكَهُ أوْلى مِنَ التَّمادِي، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ. والثّانِي: يَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلى مَن تابَ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وأبُو عِمارَةَ. والثّالِثُ: يَعْلَمُونَ أنَّهم قَدْ أذْنَبُوا، قالَهُ السُّدِّيُّ، ومُقاتِلٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب