الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ في هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ اخْتَلَفُوا فِيمَن أُنْزِلَتْ عَلى أرْبَعَةِ أقْوالٍ. (p-٤٤٥)أحَدُها: أنَّها في نَفَقاتِ الكُفّارِ، وصَدَقاتِهِمْ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّانِي: في نَفَقَةِ سَفَلَةِ اليَهُودِ عَلى عُلَمائِهِمْ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّالِثُ: في نَفَقَةِ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ. والرّابِعُ: في نَفَقَةِ المُنافِقِينَ إذا خَرَجُوا مَعَ المُسْلِمِينَ لِحَرْبِ المُشْرِكِينَ، ذَكَرَ هَذَيْنَ القَوْلَيْنِ أبُو الحَسَنِ الماوَرْدِيُّ. وقالَ السُّدِّيُّ: إنَّما ضَرَبَ الإنْفاقَ مَثَلًا لِأعْمالِهِمْ في شِرْكِهِمْ. وفي الصِّرِّ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ البَرْدُ، قالَهُ الأكْثَرُونَ. والثّانِي: أنَّهُ النّارُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وإنَّما وُصِفَتِ النّارُ بِأنَّها صِرٌّ لِتَصْوِيتِها عِنْدَ الِالتِهابِ. والثّالِثُ: أنَّ الصِّرَّ: التَّصْوِيتُ، والحَرَكَةُ مِنَ الحَصى والحِجارَةِ، ومِنهُ: صَرِيرُ النَّعْلِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. والحَرْثُ: الزَّرْعُ. وفي مَعْنى "ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ" قَوْلانِ. أحَدُهُما: ظَلَمُوها بِالكُفْرِ، والمَعاصِي، ومَنَعَ حَقَّ اللَّهِ تَعالى. والثّانِي: بِأنْ زَرَعُوا في غَيْرِ وقْتِ الزَّرْعِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أيْ: ما نَقَصَهم ذَلِكَ بِغَيْرِ جُرْمٍ أصابُوهُ، وإنَّما أنْزَلَ بِهِمْ ذَلِكَ لِظُلْمِهِمْ أنْفُسَهم بِمَنعِ حَقِّ اللَّهِ مِنهُ، وهَذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِإبْطالِ أعْمالِهِمْ في الآَخِرَةِ وحَدَّثَنا عَنْ ثَعْلَبٍ، قالَ: بَدَأ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآَيَةَ بِالرِّيحِ، والمَعْنى: عَلى الحَرْثِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ﴾ وإنَّما المَعْنى عَلى المَنعُوقِ بِهِ. وقَرِيبٌ مِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكم ويَذَرُونَ أزْواجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ﴾ فَخَبَّرَ عَنِ "الأزْواجِ" وتَرَكَ "الَّذِينَ" كَأنَّهُ قالَ: أزْواجُ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكم يَتَرَبَّصْنَ، فَبَدَأ بِالَّذِينِ، ومُرادُهُ: بَعْدَ الأزْواجِ. وأنْشَدَ:(p-٤٤٦) ؎ لَعَلِّي إنْ مالَتْ بِي الرِّيحُ مَيْلَةً عَلى ابْنِ أبِي دَيّانَ أنْ يَتَنَدَّما فَخَبَّرَ عَنِ ابْنِ أبِي دَيّانَ، وتَرَكَ نَفْسَهُ، وإنَّما أرادَ: لَعَلَّ ابْنَ أبِي دَيّانَ أنْ يَتَنَدَّما إنْ مالَتْ بِي الرِّيحُ مَيْلَةً. وقَدْ يَبْدَأُ بِالشَّيْءِ، والمُرادُ التَّأْخِيرُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ القِيامَةِ تَرى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى اللَّهِ وُجُوهُهم مُسْوَدَّةٌ﴾ [ الزُّمَرِ:٦٠ ] والمَعْنى: تَرى وُجُوهَ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى اللَّهِ مُسَوَّدَةً يَوْمَ القِيامَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب