الباحث القرآني

(p-٣٤٩)سُورَةُ آَلِ عِمْرانَ. ذَكَرَ أهْلُ التَّفْسِيرِ أنَّها مَدَنِيَّةٌ، وأنَّ صَدْرًا مِن أوَّلِها نَزَلَ في وفْدِ نَجْرانَ، قَدِمُوا النَّبِيَّ ﷺ في سِتِّينَ راكِبًا، فِيهِمُ العاقِبُ، والسَّيِّدُ، فَخاصَمُوهُ في عِيسى، فَقالُوا: إنْ لَمْ يَكُنْ ولَدَ اللَّهِ، فَمَن أبَوْهُ؟ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ صَدْرُ (آَلِ عِمْرانَ) إلى بِضْعٍ وثَمانِينَ آَيَةً مِنها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ﴾ يَعْنِي: القُرْآَنَ ﴿بِالحَقِّ﴾ يَعْنِي: العَدْلَ. ﴿مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ مِنَ الكُتُبِ. وقِيلَ: إنَّما قالَ في القُرْآَنِ: "نَزَلَ" بِالتَّشْدِيدِ، وفي التَّوْراةِ والإنْجِيلِ: أنْزَلَ، لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما أُنْزِلَ في مَرَّةٍ واحِدَةٍ، وأُنْزِلَ القُرْآَنُ في مَرّاتٍ كَثِيرَةٍ. فَأمّا التَّوْراةُ، فَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنِ الفَرّاءُ أنَّهُ يَجْلَعُها مِن: ورى الزَّنْدُ يُرى: إذا خَرَجَتْ نارُهُ، وأوْرَيْتُهُ، يُرِيدُ أنَّها ضِياءٌ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وفِيهِ لُغَةٌ أُخْرى: ورى يُرِي، ويُقالُ: ورَيْتُ بِكَ زِنادِي. والإنْجِيلَ، مِن نَجَلْتُ الشَّيْءَ: إذا أخْرَجْتُهُ، ووَلَدُ الرَّجُلِ: نَجْلُهُ، كَأنَّهُ هو اسْتَخْرَجَهُ، يُقالُ: قَبَّحَ اللَّهُ ناجِلَيْهِ، أيْ: والِدَيْهِ، وقِيلَ لِلْماءِ يَقْطُرُ مِنَ البِئْرِ: نَجْلٌ، يُقالُ: قَدِ اسْتَنْجَلَ الوادِي: [إذا ظَهَرَ نُزُوزُهُ ] . وإنْجِيلُ: إفْعِيلٌ مِن ذَلِكَ، كَأنَّ اللَّهَ أظْهَرَ بِهِ عافِيًا مِنَ الحَقِّ دارِسًا. قالَ شَيْخُنا أبُو مَنصُورٍ اللُّغَوِيُّ: والإنْجِيلُ: أعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، قالَ: وقالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كانَ عَرَبِيًّا، فاشْتِقاقُهُ مِنَ النَّجْلِ، وهو ظُهُورُ الماءِ عَلى وجْهِ الأرْضِ، واتِّساعُهُ، ونَجَلْتُ الشَّيْءَ: إذا اسْتَخْرَجْتُهُ وأظْهَرْتُهُ، فالإنْجِيلُ مُسْتَخْرَجٌ بِهِ عُلُومٌ وحِكَمٌ وقِيلَ: هو إفْعِيلٌ مِنَ النَّجْلِ وهو الأصْلُ: فالإنْجِيلُ أصْلٌ لِعُلُومٍ وحِكَمٍ وفي الفُرْقانِ (p-٣٥٠)هاهُنا قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ القُرْآَنُ، قالَهُ قَتادَةُ، والجُمْهُورُ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: سُمِّيَ القُرْآَنُ فُرْقانًا، لِأنَّهُ فَرَقَ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، والمُؤْمِنِ والكافِرِ، والثّانِي: أنَّهُ الفَصْلُ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ في أمْرِ عِيسى حِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قالَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. وقالَ السُّدِّيُّ: في الآَيَةِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: وأنْزَلَ التَّوْراةَ، والإنْجِيلَ، والفَرْقانَ، فِيهِ هُدًى لِلنّاسِ. *** قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُرِيدُ وفْدَ نَجْرانَ النَّصارى، كَفَرُوا بِالقُرْآَنِ، وبِمُحَمَّدٍ. والِانْتِقامُ: المُبالَغَةُ في العُقُوبَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب