الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللَّهِ﴾ اخْتَلَفُوا فِيمَن نَزَلَتْ عَلى أرْبَعَةِ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّها نَزَلَتْ في المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أخْرَجَهُمُ المُشْرِكُونَ إلى بَدْرٍ فارْتَدُّوا، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. (p-٢٥٩)والثّانِي: نَزَلَتْ في قَوْمٍ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِألْسِنَتِهِمْ، فَإذا أصابَهم بَلاءٌ مِنَ اللَّهِ أوْ مُصِيبَةٌ في أنْفُسِهِمْ وأمْوالِهِمُ افْتُتِنُوا، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّالِثُ: نَزَلَتْ في ناسٍ مِنَ المُنافِقِينَ بِمَكَّةَ. كانُوا يُؤْمِنُونَ، فَإذا أُوذُوا وأصابَهم بَلاءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ رَجَعُوا إلى الشِّرْكِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. والرّابِعُ: أنَّها نَزَلَتْ في عَيّاشِ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ، كانَ أسْلَمَ، فَخافَ عَلى نَفْسِهِ مِن أهْلِهِ وقَوْمِهِ، فَخَرَجَ مِن مَكَّةَ هارِبًا إلى المَدِينَةِ، وذَلِكَ قَبْلَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ وعَلَيْهِ وسَلَّمَ إلى المَدِينَةِ، فَجَزِعَتْ أُمُّهُ فَقالَتْ لِأخَوَيْهِ أبِي جَهْلٍ والحارِثِ ابْنَيْ هِشامٍ- وهُما أخَواهُ لِأُمِّهِ-: واللَّهِ لا آوِي بَيْتًا ولا آكُلُ طَعامًا ولا أشْرَبُ شَرابًا حَتّى تَأْتِيانِي بِهِ، فَخَرَجا في طَلَبِهِ فَظَفِرا بِهِ فَلَمْ يَزالا بِهِ، حَتّى تابَعَهُما وجاءا بِهِ إلَيْها، فَقَيَّدَتْهُ، وقالَتْ: واللَّهِ لا أحُلُّكَ مِن وثاقِكَ حَتّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، ثُمَّ أقْبَلَتْ تَجْلِدُهُ بِالسِّياطِ وتُعَذِّبُهُ حَتّى كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ جَزَعًا مِنَ الضَّرْبِ، فَنَزَلَتْ [فِيهِ] هَذِهِ الآيَةُ، ثُمَّ هاجَرَ بَعْدُ وحَسُنَ إسْلامُهُ، هَذا قَوْلُ ابْنِ السّائِبِ، ومُقاتِلٍ، وفي رِوايَةٍ عَنْ مُقاتِلٍ أنَّهُما جَلَداهُ في الطَّرِيقِ مِائَتَيْ جَلْدَةً، فَتَبَرَّأ مِن دِينِ مُحَمَّدٍ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا أُوذِيَ في اللَّهِ﴾ أيْ: نالَهُ أذًى أوْ عَذابٌ بِسَبَبِ إيمانِهِ ﴿جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ﴾ أيْ: ما يُصِيبُهُ مِن عَذابِهِمْ في الدُّنْيا ﴿كَعَذابِ اللَّهِ﴾ في (p-٢٦٠)الآخِرَةِ؛ وإنَّما يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أنْ يَصْبِرَ عَلى الأذى في اللَّهِ تَعالى لِما يَرْجُو مِن ثَوابِهِ ﴿وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِن رَبِّكَ﴾ يَعْنِي دَوْلَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿لَيَقُولُنَّ﴾ يَعْنِي المُنافِقِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿إنّا كُنّا مَعَكُمْ﴾ عَلى دِينِكُمْ، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ وقالَ: ﴿أوَلَيْسَ اللَّهُ بِأعْلَمَ بِما في صُدُورِ العالَمِينَ﴾ مِنَ الإيمانِ والنِّفاقِ. وقَدْ فَسَّرْنا الآيَةَ الَّتِي تَلِي هَذِهِ في أوَّلِ السُّورَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب