الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَخَرَجَ مِنها﴾ أيْ: مِن مِصْرَ ﴿خائِفًا﴾ وقَدْ مَضى تَفْسِيرُهُ [القَصَصِ: ١٨ ] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿نَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ يَعْنِي المُشْرِكِينَ أهْلَ مِصْرَ. ﴿وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: تُجاهُ مَدْيَنَ ونَحْوُها، وأصْلُهُ: اللِّقاءُ، وزِيدَتْ فِيهِ التّاءُ، قالَ الشّاعِرُ:(p-٢١٢) ؎ [ أمَّلْتُ خَيْرَكَ هَلْ تَأْتِي مَواعِدُهُ] فاليَوْمَ قَصَّرَ عَنْ تِلْقائِكَ الأمَلُ أيْ: عَنْ لِقائِكَ. قالَ المُفَسِّرُونَ: خَرَجَ خائِفًا بِغَيْرِ زادٍ ولا ظَهْرٍ، وكانَ بَيْنَ مِصْرَ ومَدْيَنَ مَسِيرَةَ ثَمانِيَةِ أيّامٍ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ بِالطَّرِيقِ عِلْمٌ، فِ ﴿قالَ عَسى رَبِّي أنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ﴾ أيْ: قَصَدَهُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِالطَّرِيقِ إلّا حُسْنُ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ. وقالَ السُّدِّيُّ: بَعَثَ اللَّهُ لَهُ مَلِكًا فَدَلَّهُ، قالُوا: ولَمْ يَكُنْ لَهُ في طَرِيقِهِ طَعامٌ إلّا ورَقُ الشَّجَرِ، فَوَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وخُضْرَةَ البَقْلِ تَتَراءى في بَطْنِهِ مِنَ الهُزالِ؛ والأُمَّةُ: الجَماعَةُ، وهُمُ الرُّعاةُ، ﴿يَسْقُونَ﴾ مَواشِيَهم ﴿وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ﴾ أيْ: مِن سِوى الأُمَّةِ ﴿امْرَأتَيْنِ﴾ وهُما ابْنَتا شُعَيْبٍ؛ قالَ مُقاتِلٌ: واسْمُ الكُبْرى: صَبُورًا والصُّغْرى: عِبْرا ﴿تَذُودانِ﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: تَكُفّانِ غَنَمَهُما، فَحَذَفَ الغَنَمَ اخْتِصارًا قالَ المُفَسِّرُونَ: وإنَّما فَعَلَتا ذَلِكَ لِيَفْرَغَ النّاسُ وتَخْلُوَ لَهُما البِئْرُ، قالَ مُوسى: ﴿ما خَطْبُكُما﴾ أيْ: ما شَأْنُكُما لا تَسْقِيانِ؟! ﴿قالَتا لا نَسْقِي﴾ وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو الجَوْزاءِ، وابْنُ يَعْمُرَ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ: " نُسْقِي " بِرَفْعِ النُّونِ ﴿حَتّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ﴾ وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو جَعْفَرٍ: " يَصْدُرُ " بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الدّالِ، أيْ: حَتّى يَرْجِعَ الرُّعاءُ. وقَرَأ الباقُونَ: " يَصْدُرُ " بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الدّالِ، أرادُوا: حَتّى يَرِدَ الرِّعاءُ غَنَمَهم عَنِ الماءِ. والرِّعاءُ: جَمْعُ راعٍ، كَما يُقالُ: صاحِبٌ وصِحابٌ. وقَرَأ عِكْرِمَةُ، (p-٢١٣)وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وابْنُ يَعْمُرَ، وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ: " الرِّعاءُ " بِضَمِّ الرّاءِ، والمَعْنى: نَحْنُ امْرَأتانِ لا نَسْتَطِيعُ أنْ نُزاحِمَ الرِّجالَ ﴿وَأبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ لا يَقْدِرُ أنْ يَسْقِيَ ماشِيَتَهُ مِنَ الكِبَرِ؛ فَلِذَلِكَ احْتَجْنا نَحْنُ إلى أنْ نَسْقِيَ، وكانَ عَلى تِلْكَ البِئْرِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ، فَإذا فَرَغَ الرِّعاءُ مِن سَقْيِهِمْ أعادُوا الصَّخْرَةَ، فَتَأْتِي المَرْأتانِ إلى فُضُولِ حِياضِ الرِّعاءِ فَتَسْقِيانِ غَنَمَهُما. ﴿فَسَقى لَهُما﴾ مُوسى. وَفِي صِفَةِ ما صَنَعَ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ ذَهَبَ إلى بِئْرٍ أُخْرى عَلَيْها صَخْرَةٌ لا يَقْتَلِعُها إلّا جَماعَةٌ مِنَ النّاسِ، فاقْتَلَعَها وسَقى لَهُما، قالَهُعُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، وشُرَيْحٌ. والثّانِي: أنَّهُ زاحَمَ القَوْمَ عَلى الماءِ، وسَقى لَهُما، قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ، والمَعْنى: سَقى غَنَمَهُما لِأجْلِهِما. ﴿ثُمَّ تَوَلّى﴾ أيْ: انْصَرَفَ ﴿إلى الظِّلِّ﴾ وهو ظِلُّ شَجَرَةٍ ﴿فَقالَ رَبِّ إنِّي لِما﴾ اللّامُ بِمَعْنى إلى، فَتَقْدِيرُهُ: إنِّي إلى ما ﴿أنْزَلْتَ إلَيَّ مِن خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ وأرادَ بِالخَيْرِ: الطَّعامُ. وحَكى ابْنُ جَرِيرٍ أنَّهُ أسْمَعَ المَرْأتَيْنِ (p-٢١٤)هَذا الكَلامُ تَعْرِيضًا أنْ تُطْعِماهُ. ﴿فَجاءَتْهُ إحْداهُما﴾ المَعْنى: فَلَمّا شَرِبَتْ غَنَمُهُما رَجَعَتا إلى أبِيهِما فَأخْبَرَتاهُ خَبَرَ مُوسى، فَبَعَثَ إحْداهُما تَدْعُو مُوسى. وفِيها قَوْلانِ. أحَدُهُما: الصُّغْرى. والثّانِي: الكُبْرى. فَجاءَتْهُ ﴿تَمْشِي عَلى اسْتِحْياءٍ﴾ قَدْ سَتَرَتْ وجْهَها بِكُمِّ دِرْعِها. وَفِي سَبَبِ اسْتِحْيائِها ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ كانَ مِن صِفَتِها الحَياءُ، فَهي تَمْشِي مَشْيَ مَن لَمْ يَعْتَدِ الخُرُوجَ والدُّخُولَ. والثّانِي: لِأنَّها دَعَتْهُ لِتُكافِئُهُ، وكانَ الأجْمَلُ عِنْدَها أنْ تَدْعُوَهُ مِن غَيْرِ مُكافَأةٍ. والثّالِثُ: لِأنَّها رَسُولُ أبِيها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَجْزِيَكَ أجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: لَمّا سَمِعَ مُوسى هَذا القَوْلَ كَرَّهَهُ وأرادَ أنْ لا يَتْبَعَها، فَلَمْ يَجِدْ بُدًّا لِلْجُهْدِ الَّذِي بِهِ مِنِ اتِّباعِها، فَتَبِعَها، فَكانَتْ الرِّيحُ تَضْرِبُ ثَوْبَها فَيَصِفُّ بَعْضَ جَسَدِها، فَناداها: يا أمَةَ اللَّهِ، كُونِي خَلْفِي ودُلِّينِي الطَّرِيقَ ﴿فَلَمّا جاءَهُ﴾ أيْ: جاءَ مُوسى شُعَيْبًا ﴿وَقَصَّ (p-٢١٥)عَلَيْهِ القَصَصَ﴾ أيْ: أخْبَرَهُ بِأمْرِهِ مِن حِينِ وُلِدَ والسَّبَبُ الَّذِي أخْرَجَهُ مِن أرْضِهِ ﴿قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ أيْ: لا سُلْطانَ لِفِرْعَوْنَ بِأرْضِنا ولَسْنا في مَمْلَكَتِهِ. ﴿قالَتْ إحْداهُما﴾ وهي الكُبْرى: ﴿يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ أيْ: اتَّخَذَهُ أجِيرًا ﴿إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأمِينُ﴾ أيْ: خَيْرُ مَن اسْتَعْمَلْتَ عَلى عَمَلِكَ مَن قَوِيَ عَلى عَمَلِكَ وأدّى الأمانَةَ؛ وإنَّما سَمَّتْهُ قَوِيًّا، لِرَفْعِهِ الحَجَرَ عَنْ رَأْسِ البِئْرِ، وقِيلَ: لِأنَّهُ اسْتَقى بِدَلْوٍ لا يُقِلُّها إلّا العَدَدُ الكَثِيرُ مِنَ الرِّجالِ، وسَمَّتْهُ أمِينًا، لِأنَّهُ أمَرَها أنْ تَمْشِيَ خَلْفَهُ. وقالَ السُّدِّيُّ: قالَ لَها شُعَيْبُ: قَدْ رَأيْتُ قُوَّتَهُ، فَما يُدْرِيكَ بِأمانَتِهِ؟ فَحَدَّثَتْهُ. قالَ المُفَسِّرُونَ: فَرَغِبَ فِيهِ شُعَيْبٌ، فَقالَ لَهُ: ﴿إنِّي أُرِيدُ أنْ أُنْكِحَكَ﴾ أيْ: أزْواجُكَ ﴿إحْدى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ﴾ قالَ الفَرّاءُ: تَأْجُرُنِي وتَأْجِرُنِي، بِضَمِّ الجِيمِ وكَسْرِها، لُغَتانِ. قالَ الزَّجّاجُ: والمَعْنى: تَكُونُ أجِيرًا لِي ثَمانِيَ سِنِينَ ﴿فَإنْ أتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِن عِنْدِكَ﴾ أيْ: فَذَلِكَ تَفَضُّلٌ مِنكَ، ولَيْسَ بِواجِبٍ عَلَيْكَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أُرِيدُ أنْ أشُقَّ عَلَيْكَ﴾ أيْ: في العَشْرِ ﴿سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ أيْ: في حُسْنِ الصُّحْبَةِ والوَفاءِ بِما قُلْتَ. ﴿قالَ﴾ لَهُ مُوسى ﴿ذَلِكَ بَيْنِي وبَيْنَكَ﴾ أيْ: ذَلِكَ الَّذِي وصَفْتَ وشَرَطْتَ عَلَيَّ فَلَكَ، وما شَرَطْتَ لِي مِن تَزْوِيجِ إحْداهُما فَلِيَ، فالأمْرُ كَذَلِكَ بَيْنَنا وتَمَّ الكَلامُ هاهُنا. ثُمَّ قالَ: ﴿أيَّما الأجَلَيْنِ﴾ يَعْنِي: الثَّمانِيَ والعَشَرَ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: " ما " زائِدَةٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَضَيْتُ﴾ أيْ: أتْمَمْتُ ﴿فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ﴾ أيْ: لا سَبِيلَ عَلَيَّ؛ والمَعْنى: لا تَعْتَدِ عَلَيَّ بِأنْ تُلْزِمَنِي أكْثَرَ مِنهُ ﴿واللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وكِيلٌ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: أيْ: واللَّهُ شاهِدُنا عَلى ما عَقَدَ بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ. (p-٢١٦)واخْتَلَفَ العُلَماءُ في هَذا الرَّجُلِ الَّذِي اسْتَأْجَرَ مُوسى عَلى أرْبَعَةِ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ شُعَيْبٌ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ، وعَلى هَذا أكْثَرُ [أهْلِ] التَّفْسِير، وفِيهِ أثَرٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وبِهِ قالَ وهْبٌ، ومُقاتِلٌ. والثّانِي: أنَّهُ صاحِبُ مَدْيَنَ، واسْمُهُ يَثْرى، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: رَجُلٌ مِن قَوْمِ شُعَيْبٍ: قالَهُ الحَسَنُ. والرّابِعُ: أنَّهُ يَثْرُونُ ابْنُ أخِي شُعَيْبٍ، رَواهُ عَمْرُو بْنُ مَرَّةَ عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وبِهِ قالَ ابْنُ السّائِبِ. واخْتَلَفُوا في الَّتِي تَزَوَّجَها مُوسى مِنَ الإبْنَتَيْنِ عَلى قَوْلَيْنِ. أحَدُهُما: الصُّغْرى، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: الكُبْرى، قالَهُ مُقاتِل. (p-٢١٧)وَفِي اسْمِ الَّتِي تَزَوَّجَها ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: صَفُورِيا، حَكاهُ أبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ. والثّانِي: صَفُورَةُ، قالَهُ شُعَيْبٌ الجِبائِيُّ. والثّالِثُ: صَبُورًا، قالَهُ مُقاتِلٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب