الباحث القرآني

(p-٢٠٧)﴿وَلَمّا بَلَغَ أشُدَّهُ﴾ قَدْ فَسَّرْنا هَذِهِ الآيَةَ في سُورَةِ (يُوسُفَ: ٢٢)، وكَلامُ المُفَسِّرِينَ في لَفْظِ الآيَتَيْنِ مُتَقارِبٌ، إلّا أنَّهم فَرَّقُوا بَيْنَ بُلُوغِ الأشُدِّ وبَيْنَ الِاسْتِواءِ؛ فَأمّا بُلُوغُ الأشُدِّ، فَقَدْ سَلَفَ بَيانُهُ [الأنْعامِ: ١٥٢] . وَفِي مُدَّةِ الِاسْتِواءِ لَهم قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ أرْبَعُونَ سَنَةً، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ. والثّانِي: سُتُّونَ سَنَةً، ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. قالَ المُفَسِّرُونَ: مَكَثَ عِنْدَ أُمِّهِ حَتّى فَطَمَتْهُ، ثُمَّ رَدَّتْهُ إلَيْهِمْ، فَنَشَأ في حِجْرِ فِرْعَوْنَ وامْرَأتِهِ واتَّخَذاهُ ولَدًا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَدَخَلَ المَدِينَةَ﴾ فِيها قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها مِصْرُ. والثّانِي مَدِينَةٌ بِالقُرْبِ مِن مِصْرَ. قالَ السُّدِّيُّ: رَكِبَ فِرْعَوْنُ يَوْمًا ولَيْسَ عِنْدَهُ مُوسى، فَلَمّا جاءَ مُوسى رَكِبَ في أثَرِهِ فَأدْرَكَهُ المَقِيلُ في تِلْكَ المَدِينَةِ. وقالَ غَيْرُهُ: لَمّا تَوَهَّمَ فِرْعَوْنُ في مُوسى أنَّهُ عَدْوُّهُ أمَرَ بِإخْراجِهِ مِن مَدِينَتِهِ، فَلَمْ يَدْخُلْ إلّا بَعْدَ أنْ كَبُرَ فَدَخَلَها يَوْمًا ﴿عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِن أهْلِها﴾ . (p-٢٠٨)وَفِي ذَلِكَ الوَقْتِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ كانَ يَوْمَ عِيدٍ لَهم، وكانُوا قَدْ اشْتَغَلُوا فِيهِ بِلَهْوِهِمْ، قالَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ. والثّانِي: أنَّهُ دَخَلَ نِصْفَ النَّهارِ، رَواهُ جَماعَةٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. والثّالِثُ: بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ، قالَهُ وهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ. والرّابِعُ: أنَّهم لَمّا أخْرَجُوهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ حَتّى كَبِرَ، فَدَخَلَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ عَنْ ذِكْرِهِ، لِأنَّهُ قَدْ نَسِيَ أمْرَهُ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَذا مِن شِيعَتِهِ﴾ أيْ: مِن أصْحابِهِ مِن بَنِي إسْرائِيلَ ﴿وَهَذا مِن عَدُوِّهِ﴾ أيْ: مِن أعْدائِهِ مِنَ القِبْطِ، والعَدُوِّ يَذْكُرُ لِلْواحِدِ ولِلْجَمْعِ. قالَ الزَّجّاجُ: وإنَّما قِيلَ في الغائِبِ: " هَذا " و " هَذا "، عَلى جِهَةِ الحِكايَةِ لِلْحَضْرَةِ؛ والمَعْنى: أنَّهُ إذا نَظَرَ إلَيْهِما النّاظِرُ قالَ: هَذا مِن شِيعَتِهِ، وهَذا مِن عَدُوِّهِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: وإنَّ القِبْطِيَّ كانَ قَدْ سَخَّرَ الإسْرائِيلِيَّ أنْ يَحْمِلَ حَطَبًا إلى مَطْبَخِ فِرْعَوْنَ ﴿فاسْتَغاثَهُ﴾ أيْ: فاسْتَنْصَرَهُ، ﴿فَوَكَزَهُ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: الوَكْزُ: أنْ يَضْرِبَهُ بِجَمِيعِ كَفِّهِ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: " فَوَكَزَهُ " أيْ: لَكَزَهُ، يُقالُ: وكَزْتُهُ ولَكَزْتُهُ ولَهَزْتُهُ: إذا دَفَعْتُهُ، ﴿فَقَضى عَلَيْهِ﴾ أيْ: قَتَلَهُ؛ وكُلُّ شَيْءٍ فَرَغْتَ مِنهُ فَقَدْ قَضَيْتَهُ وقَضَيْتَ عَلَيْهِ. ولِلْمُفَسِّرِينَ فِيما وكَزَهُ بِهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: كَفَّهُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّانِي: عَصاهُ، قالَهُ قَتادَةُ. فَلَمّا ماتَ القِبْطِيُّ نَدِمَ مُوسى لِأنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ، و ﴿قالَ هَذا مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ﴾ أيْ: هو الَّذِي هَيَّجَ غَضَبِي حَتّى ضَرَبْتُ هَذا، ﴿إنَّهُ عَدُوٌّ﴾ (p-٢٠٩)لِابْنِ آَدَمَ ﴿مُضِلٌّ﴾ لَهُ ﴿مُبِينٌ﴾ عَداوَتَهُ. ثُمَّ اسْتَغْفِرْ ف ﴿قالَ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ أيْ: بِقَتْلٍ هَذا، ولا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أنْ يَقْتُلَ حَتّى يُؤْمَرَ. ﴿قالَ رَبِّ بِما أنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ بِالمَغْفِرَةِ ﴿فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: عَوْنًا لِلْكافِرِينَ. وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الإسْرائِيلِيَّ الَّذِي أعانَهُ مُوسى كانَ كافِرًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب