الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفْتُونِي في أمْرِي﴾ أيْ: بَيِّنُوا لِي ما أفْعَلُ، وأشِيرُوا عَلَيَّ. قالَ الفَرّاءُ: جَعَلَتِ المَشُورَةَ فُتْيا، وذَلِكَ جائِزٌ لِسِعَةِ اللُّغَةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما كُنْتُ قاطِعَةً أمْرًا﴾ أيْ: فاعِلَتُهُ ﴿حَتّى تَشْهَدُونِ﴾ أيْ. تَحْضُرُونَ؛ والمَعْنى: إلّا بِحُضُورِكم ومَشُورَتِكم.
﴿قالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهم أرادُوا القُوَّةَ في الأبْدانِ. والثّانِي: كَثْرَةُ العَدَدِ والبَأْسِ والشَّجاعَةِ في الحَرْبِ.
وَفِيما أرادُوا بِذَلِكَ القَوْلِ قَوْلانِ أحَدُهُما: تَفْوِيضُ الأمْرِ إلى رَأْيِها. والثّانِي: تَعْرِيضٌ مِنهم بِالقِتالِ إنْ أمَرَتْهم.
ثُمَّ قالُوا: ﴿والأمْرُ إلَيْكِ﴾ أيْ: في القِتالِ وتَرْكِهِ. ﴿قالَتْ إنَّ المُلُوكَ إذا دَخَلُوا قَرْيَةً﴾ قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: إذا دَخَلُوها عَنْوَةً عَنْ قِتالٍ وغَلَبَةٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفْسَدُوها﴾ أيْ: خَرَّبُوها ﴿وَجَعَلُوا أعِزَّةَ أهْلِها أذِلَّةً﴾ أيْ: أهانُوا أشْرافَها لِيَسْتَقِيمَ لَهُمُ الأمْرُ. ومَعْنى الكَلامِ: أنَّها حَذَّرَتْهم مَسِيرَ سُلَيْمانَ إلَيْهِمْ ودُخُولَهُ بِلادَها.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ مِن تَصْدِيقِ اللَّهِ تَعالى لِقَوْلِها، قالَهُ الزَّجّاجُ.
والثّانِي: مِن تَمامِ كَلامِها؛ والمَعْنى: وكَذَلِكَ يَفْعَلُ سُلَيْمانُ وأصْحابُهُ إذا دَخَلُوا بِلادَنا، حَكاهُ الماوَرْدِيُّ.
(p-١٧٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنِّي مُرْسِلَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّما أُرْسِلَتِ الهَدِيَّةُ لِتَعْلَمَ أنَّهُ إنْ كانَ نَبِيًّا لَمْ يُرِدِ الدُّنْيا، وإنْ كانَ مَلِكًا فَسَيَرْضى بِالحَمْلِ، وأنَّها بَعَثَتْ ثَلاثَ لَبِناتٍ مِن ذَهَبٍ في كُلِّ لَبِنَةٍ مِائَةُ رِطْلٍ؛ وياقُوتَةٍ حَمْراءَ طُولُها شِبْرٌ مَثْقُوبَةٌ، وثَلاثِينَ وصَيْفًا وثَلاثِينَ وصِيفَةً، وألْبَسَتْهم لِباسًا واحِدًا حَتّى لا يُعْرَفَ الذَّكَرُ مِنَ الأُنْثى، ثُمَّ كَتَبَتْ إلَيْهِ: إنِّي قَدْ بَعَثْتُ إلَيْكَ بِهَدِيَّةٍ فاقْبَلْها، وبَعَثْتُ إلَيْكَ بِياقُوتَةٍ طُولُها شِبْرٌ، فَأدْخِلْ فِيها خَيْطًا واخْتِمْ عَلى طَرَفَيِ الخَيْطِ بِخاتَمِكَ، وقَدْ بَعَثْتُ إلَيْكَ ثَلاثِينَ وصَيْفًا وثَلاثِينَ وصِيفَةً: فَمَيِّزْ بَيْنَ الجَوارِي والغِلْمانِ؛ فَجاءَ أمِيرُ الشَّياطِينِ فَأخْبَرَهُ بِما بَعَثَتْ إلَيْهِ، فَقالَ لَهُ: انْطَلِقْ فافْرِشْ عَلى طَرِيقِ القَوْمِ مِن بابِ مَجْلِسِي ثَمانِيَةَ أمْيالٍ في ثَمانِيَةِ أمْيالٍ [لَبَنًا] مِنَ الذَّهَبِ؛ فانْطَلَقَ، فَبَعَثَ الشَّياطِينَ، فَقَطَعُوا اللَّبَنَ مِنَ الجِبالِ وطَلَوْهُ بِالذَّهَبِ وفَرَشُوهُ، ونَصَبُوا في الطَّرِيقِ أساطِينَ الياقُوتِ الأحْمَرِ، فَلَمّا جاءَ الرُّسُلُ، قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: كَيْفَ تَدْخُلُونَ عَلى هَذا الرَّجُلِ بِثَلاثِ لَبِناتٍ، وعِنْدَهُ ما رَأيْتُمْ؟! فَقالَ رَئِيسُهم: إنَّما نَحْنُ رُسُلٌ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَوَضَعُوا اللَّبَنَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقالَ: أتُمِدُّونَنِي بِمالٍ؟ ثُمَّ دَعا ذَرَّةً فَرَبَطَ فِيها خَيْطًا وأدْخَلَها في ثُقْبِ الياقُوتَةِ حَتّى خَرَجَتْ مِن طَرَفِها الآخَرِ، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ طَرَفَيْ الخَيْطِ فَخَتَمَ عَلَيْهِ ودَفَعَها إلَيْهِمْ، ثُمَّ مَيَّزَ بَيْنَ الغِلْمانِ والجَوارِي، هَذا كُلُّهُ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ مُجاهِدٌ: جَعَلَتْ لِباسَ الغِلْمانِ لِلْجَوارِي ولِباسَ الجَوارِي لِلْغِلْمانِ، فَمَيَّزَهم ولَمْ يَقْبَلْ هَدِيَّتَها.
(p-١٧١)وَفِي عَدَدِ الوَصائِفِ والوُصَفاءِ خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: ثَلاثُونَ وصَيْفًا وثَلاثُونَ وصِيفَةً، وقَدْ ذَكَرْناهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّانِي: خَمْسَمِائَةِ غُلامٍ وخَمْسَمِائَةِ جارِيَةٍ، قالَهُ وهْبٌ. والثّالِثُ: مِائَتا غُلامٍ ومِائَتا جارِيَةٍ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والرّابِعُ: عَشْرَةُ غِلْمانٍ وعَشْرُ جَوارٍ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ.
والخامِسُ: مِائَةُ وصَيْفٍ ومِائَةُ وصِيفَةٍ، قالَهُ مُقاتِلٌ.
وَفِي ما مَيَّزَهم بِهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ أمَرَهم بِالوُضُوءِ، فَبَدَأ الغُلامُ مِن مِرْفَقِهِ إلى كَفِّهِ، وبَدَأتِ الجارِيَةُ مِن كَفِّها إلى مِرْفَقِها، فَمَيَّزَهم بِذَلِكَ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
والثّانِي: أنَّ الغِلْمانَ بَدَؤُوا بِغَسْلِ ظُهُورِ السَّواعِدِ قَبْلَ بُطُونِها، والجَوارِي عَلى عَكْسِ ذَلِكَ، قالَهُ قَتادَةُ.
والثّالِثُ: أنَّ الغُلامَ اغْتَرَفَ بِيَدِهِ، والجارِيَةَ أفْرَغَتْ عَلى يَدِها، قالَهُ السُّدِّيُّ.
وَجاءَ في التَّفْسِيرِ أنَّها أمَرَتِ الجَوارِي ان يُكَلِّمْنَ سُلَيْمانَ بِكَلامِ الرِّجالِ، وأمَرَتِ الرِّجالَ أنْ يُكَلِّمُوهُ كَلامَ النِّساءِ، وأرْسَلَتْ قَدَحًا تَسْألُهُ أنْ يَمْلَأها ماءً لَيْسَ مِن [ماءٍ] لِسَماءٍ ولا مِن ماءِ الأرْضِ، فَأجْرى الخَيْلَ ومَلَأهُ مِن عَرَقِها.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ﴾ أيْ: بِقَبُولٍ أمْ بِرَدٍّ.
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وأصْلُ " بِمَ ":بِما، وإنَّما أُسْقِطَتِ الألِفَ لِأنَّ العَرَبَ إذا كانَتْ " ما " بِمَعْنى " أي " ثُمَّ وصَلُوها بِحَرْفٍ خافِضٍ، أسْقَطُوا ألِفَها، تَفْرِيقًا بَيْنَ الِاسْتِفْهامِ والخَبَرِ، كَقَوْلِهِ: ﴿عَمَّ يَتَساءَلُونَ﴾ [النَّبَأِ: ١] و ﴿قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ﴾؟ [النِّساءِ: ٩٧]، ورُبَّما أثْبَتُوا فِيها الألِفَ كَما قالَ الشّاعِرُ:(p-١٧٢)
؎ عَلى ما قامَ يَشْتُمُنا لَئِيمٌ كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ في رَمادِ؟
{"ayahs_start":32,"ayahs":["قَالَتۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَؤُا۟ أَفۡتُونِی فِیۤ أَمۡرِی مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡهَدُونِ","قَالُوا۟ نَحۡنُ أُو۟لُوا۟ قُوَّةࣲ وَأُو۟لُوا۟ بَأۡسࣲ شَدِیدࣲ وَٱلۡأَمۡرُ إِلَیۡكِ فَٱنظُرِی مَاذَا تَأۡمُرِینَ","قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا۟ قَرۡیَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوۤا۟ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَاۤ أَذِلَّةࣰۚ وَكَذَ ٰلِكَ یَفۡعَلُونَ","وَإِنِّی مُرۡسِلَةٌ إِلَیۡهِم بِهَدِیَّةࣲ فَنَاظِرَةُۢ بِمَ یَرۡجِعُ ٱلۡمُرۡسَلُونَ"],"ayah":"قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا۟ قَرۡیَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوۤا۟ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَاۤ أَذِلَّةࣰۚ وَكَذَ ٰلِكَ یَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق