الباحث القرآني

(p-١٦٧)فَلَمّا فَرَغَ الهُدْهُدُ مِن كَلامِهِ ﴿قالَ سَنَنْظُرُ﴾ فِيما أخْبَرْتَنا بِهِ ﴿أصَدَقْتَ﴾ فِيما قُلْتَ ﴿أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِينَ﴾ وإنَّما شَكَّ في خَبَرِهِ، لِأنَّهُ أنْكَرَ أنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ في الأرْضِ سُلْطانٌ. ثُمَّ كَتَبَ كِتابًا وخَتَمَهُ بِخاتَمِهِ ودَفَعَهُ إلى الهُدْهُدِ وقالَ: ﴿اذْهَبْ بِكِتابِي هَذا فَألْقِهْ إلَيْهِمْ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ، والكِسائِيُّ: " فَألْقِهِي " مَوْصُولَةً بِياءٍ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، وأبُو جَعْفَرٍ، وحَمْزَةُ: " فَألْقِهِ " بِسُكُونِ الهاءِ، ورَوى قالُونُ عَنْ نافِعٍ كَسْرَ الهاءِ مِن غَيْرِ إشْباعٍ؛ ويَعْنِي إلى أهْلِ سَبَإٍ، ﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أعْرِضْ. والثّانِي: انْصَرِفْ، ﴿فانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ﴾ أيْ: ماذا يَرُدُّونَ مِنَ الجَوابِ. فَإنْ قِيلَ: إذا تَوَلّى عَنْهم فَكَيْفَ يَعْلَمُ جَوابَهُمْ؟ فَعَنْهُ جَوابانِ. أحَدُهُما: أنَّ المَعْنى: ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهم مُسْتَتِرًا مِن حَيْثُ لا يَرَوْنَكَ، فانْظُرْ ماذا يَرُدُّونَ مِنَ الجَوابِ، وهَذا قَوْلُ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ. والثّانِي: أنَّ في الكَلامِ تَقْدِيمًا وتَأْخِيرًا، تَقْدِيرُهُ: فانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهم، وهَذا مَذْهَبُ ابْنِ زَيْدٍ. قالَ قَتادَةُ: أتاها الهُدْهُدُ وهي نائِمَةٌ فَألْقى الكِتابَ عَلى نَحْرِها فَقَرَأتْهُ وأخْبَرَتْ قَوْمَها. وقالَ مُقاتِلٌ: حَمَلَهُ في مِنقارِهِ حَتّى وقَفَ عَلى رَأْسِ المَرْأةِ، فَرَفْرَفَ ساعَةً (p-١٦٨)والنّاسُ يَنْظُرُونَ، فَرَفَعَتْ رَأْسَها فَأُلْقِي الكِتابُ في حِجْرِها، فَلَمّا رَأتِ الخاتَمَ أُرْعِدَتْ وخَضَعَتْ وخَضَعَ مَن مَعَها مِنَ الجُنُودِ. واخْتَلَفُوا لِأيِّ عِلَّةٍ سَمَّتْهُ كَرِيمًا عَلى سَبْعَةِ أقْوالٍ. أحَدُها: لِأنَّهُ كانَ مَخْتُومًا، رَواهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والثّانِي: أنَّها ظَنَّتْهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا. والثّالِثُ: أنَّ مَعْنى قَوْلِها: " كَرِيمٌ ": حَسَنٌ ما فِيهِ، قالَهُ قَتادَةُ، والزَّجّاجُ. والرّابِعُ: لِكَرَمِ صاحِبِهِ، فَإنَّهُ كانَ مَلِكًا، ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. والخامِسُ: أنَّهُ كانَ مَهِيبًا، ذَكَرَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. والسّادِسُ: لِتَسْخِيرِ الهُدْهُدِ لِحَمْلِهِ، حَكاهُ الماوَرْدِيُّ. السّابِعُ: لِأنَّها رَأتْ في صَدْرِهِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم " حَكاهُ الثَّعْلَبِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ مِن سُلَيْمانَ﴾ أيْ: إنَّ الكِتابَ مِن عِنْدِهِ ﴿وَإنَّهُ﴾ أيْ: وإنَّ المَكْتُوبَ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿ألا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ أيْ: لا تَتَكَبَّرُوا. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ: " تَغْلُوا " بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ أيْ: مُنْقادِينَ طائِعِينَ. ثُمَّ اسْتَشارَتْ قَوْمَها، فَ ﴿قالَتْ يا أيُّها المَلأُ﴾ يَعْنِي الأشْرافَ، وكانُوا ثَلاثمِائَةً وثَلاثَةَ عَشَرَ قائِدًا، كُلُّ رَجُلٍ مِنهم عَلى عَشْرَةِ آَلافٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَ مَعَها مِائَةُ ألْفٍ قِيلَ، مَعَ كُلِّ قَيْلٍ مِائَةُ ألْفٍ. وقِيلَ: كانَتْ جُنُودُها ألْفَ ألْفٍ ومِائَتَيْ ألْفٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب